«رباعية إسطنبول» ومسعى التوفيق بين «أستانا» و«جنيف»
بغياب اثنين من أهم اللاعبين في الأزمة السورية، التأمت القمة الرباعية في إسطنبول بمشاركة رئيس الدولة المضيفة إلى جانب رؤساء كل من روسيا وفرنسا وألمانيا ... الهدف المعلن، تثبيت «وقف التصعيد» في إدلب وبحث «الحل السياسي الشامل» للأزمة السورية، لكن خلف هذا الهدف، تكمن أهداف أخرى لكل دولة من الدول المشاركة في القمة.
الغائبان / الحاضران في القمة، هما إيران والولايات المتحدة، ولا يمكن للتهدئة أو «خفض التصعيد» أن يستمرا، أو للحل السياسي النهائي أن يتقرر وينتقل إلى حيّز التنفيذ من دونهما ... إيران، بخلاف الولايات المتحدة، لم تختر الغياب، واكتفت بما يمكن للحضور الروسي أن يدرأ عنها وعن مصالحها في سوريا، وهو أمرٌ ممكن في الحدود التكتيكية، بيد أنه «غير واقعي» على المدى الأبعد، بالنظر لاختلاف أجندات وأولويات السياستين الخارجيتين: الروسية والإيرانية.
أما واشنطن، التي «راقبت» عن بعد وقرب، مسار «أستانا»، وغابت عن جلساته الأخيرة، مثلما غابت عن مسار «سوتشي»، فلن تمنح موسكو «شيكاً على بياض» في سوريا، والجنرال ماتيس صرح عشية القمة، ومن المنامة، بأن روسيا لن تحل محل واشنطن في المنطقة، وهو شخصياً المسؤول أكثر من غيره من أركان إدارة الرئيس ترامب، عن مساعي «إدامة» الوجود العسكري في شرق وشمال سوريا، بانتظار تحقيق أهداف ثلاثة: (1) استئصال داعش... (2) محاصرة النفوذ الإيراني ... (3) والوصول إلى حل سياسي نهائي للأزمة السورية.
يطرح هذا الغياب علامات استفهام كبرى حول حصيلة القمة، ويحيط نتائجها بكثير من الشكوك، بل ويهبط بسقف التوقعات المرجّوة من انعقادها ... لكن مع ذلك، فالقمة تكتسب أهمية خاصة، فهي الأولى من نوعها منذ اندلاع الأزمة السورية، وهي تضم ممثلين اثنين عن مسار أستانا: بوتين وأردوغان، واثنين عن مسار جنيف: ميركل وماكرون، وربما في محاولة للتوفيق بينهما.
تركيا، وأردوغان شخصياً، من أكثر المتحمسين للقمة الرباعية، فهي من جهة أولى، تخرجه من قبضة الثنائي الروسي – الإيراني المتحكم بمسار أستانا ... وهي من جهة ثانية، تعوّضه عن التردي في علاقاته مع واشنطن ... وهي من جهة ثالثة، تبني على التقارب الأخير بين أنقرة وعواصم أوروبية عديدة، بعد فترة من التوتر والقطيعة ... وهي من جهة رابعة، تفتح له نافذة أوسع للمساهمة في صياغة الحل النهائي للأزمة السورية، بعد أن كاد تأثيره ينحصر على شريط حدودي رسمته «درع الفرات» و»غصن الزيتون» و»تفاهمات سوتشي.
أما فرنسا وألمانيا، وربما باسم القارة العجوز برمتها، فهي تشعر بالتهميش في سوريا والإقليم عموماً، ولا تتلقى من المنطقة سوى «فائض أزماتها»: موجات من اللجوء وتهديدات إرهابية متصاعدة، وهي تريد أن تكون لها كلمتها في ملف إعادة الإعمار وإعادة اللاجئين السوريين، والمدخل إلى ذلك، حل سياسي شامل وتوافقي، وغير مفروض من قبل «الكرملين» أو «القصر الأبيض» ... ثم أن علاقات هذه الدول مع واشنطن، لم تعد كما كانت، في ظل اتساع الشقة بين ضفتي الأطلسي.
بوتين، نجم القمة، واللاعب الرئيس في سوريا، لا يقل حماسة للقمة عن نظيره التركي، فهو يدرك تمام الإدراك، أن لحظة «الجدّ» في الأزمة السورية، على وشك أن تبدأ، فإعادة إعمار سوريا، يتطلب من الإمكانيات ما يفوق قدرات بلاده وحلفائها ... وهي يريد ترجمة إنجازاته الميدانية إلى اتفاق سياسي شامل، سيما وأنه يتحسب لتصاعد حدة التوتر مع واشنطن، والتي تأخذ أبعاداً كونية واستراتيجية، من ضمنها سوريا، وهل أفضل من تقريب تركيا واسترضاء أوروبا، من وسيلة لتفادي «التسونامي» الأمريكي القادم؟
قد تسعف «اللغة» المجتمعين في أنقرة في صياغة بيان وتفاهمات ختامية فضفاضة، وقد لا تسعفهم، لكن السؤال الجوهري سيل حائماً فوق الرؤوس: ما الذي يمكن فعله لإدراج واشنطن في هذه العملية، وكيف ستكون ردة الفعل الأمريكي على «رباعية إسطنبول»، وهل ستستخدم واشنطن حق النقض «الفيتو» على مخرجاتها؟
أما السؤال الثاني: ماذا لو جاءت هذه المقررات، بعكس ما تشتهي سفن النظام في دمشق، وحليفته إيران والفصائل التابعة لها؟ وهذا احتمال لا يصح إسقاطه... أليس في يد هذه الأطراف، ما يكفي لقلب الطاولة ميدانياً، إن لم نقل دبلوماسياً؟ ... وهل ستصمد التهدئة في إدلب إن استشعرت دمشق وطهران، أنهما ستخرجان من «مولد إسطنبول من دون حمص».
الديتور - السبت 28-10-2018