بوادر إنهاك ؟!
شبّه رئيس وزراء سابق حال الحكومات في لحظة معينة بالملاكم الذي إن لاحت عليه مظاهر الإنهاك ينهال عليه الخصم بوابل من اللكمات المتواصلة تمنعه من التقاط أنفاسه فلا يلبث أن ينهار.
هل تقترب الحكومة الآن من هذه الحالة ؟ فوق كل التحديات والعثرات التي تواجهها لا شك أن فاجعة البحر الميت وتداعياتها كانت منهكة وهي بددت جرعة التقوية المفترضة بالتعديل الوزاري الذي كان قد جاء هو ذاته - حسب المراقبين - دون التوقعات.
تدفع الحكومة ثمن إرث سابق مديد أوصل المؤسسات والقطاع العام عموما إلى حالة من الترهل لا يمكن إصلاحها بكبسة زر. وتقرير ديوان المحاسبة عن العام 2017 الذي نشر قبل أيام يعكس هذا الحال، ابتداء من الهدر في النفقات مثل فواتير الهاتف وأشكال التبذير والتكسب بالمكافآت والمياومات والسفريات وشراء السيارات وانتهاء بقلة الكفاءة والترهل الإداري وعطاءات دراسات تنتهي على الأرفف وتضييع أموال على أجهزة وتجهيزات ومواد لا يتم الاستفادة منها وتخرب في المخازن.
وقد أثار التقرير ردود فعل ساخطة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي وهي تنعكس على الحكومة الحالية ويبقى الرأي العام نهبا للشكوك بأن شيئا لا يعالج.
من العدالة عدم محاسبة هذه الحكومة على ما جرى في سنوات سابقة يتناولها التقرير، ولعل الكثير مما ورد فيه كان قد تم معالجته كما قال أحد النواب، لكن ذلك لا يظهر أمام الناس وتبقى الصورة العامّة التي يعكسها التقرير لواقع القطاع العام. ولا يشفي الغليل وعد الرئيس بأخذ ما ورد في التقرير بجدية والتحقق من كل معلومة وردت فيه. ولا الثناء على دور ديوان المحاسبة والتعهد بالعمل على توسيع دور الديوان وزيادة استقلاليته من خلال إعادة النظر في بعض التشريعات، مع أن تعزيز استقلالية الديوان ودوره الرقابي هي في صلب عملية الاصلاح.
وقد وجه الرئيس لإنشاء لجنة لدراسة كل تفاصيل التقرير فكانت مناسبة للهجوم على أسلوب الركض بسرعة لتشكيل لجان لكل مناسبة ولفت تقرير صحفي في الغد ان هذه الحكومة حققت سبقا في عدد اللجان المشكلة منذ بدء عهدها ومنها سبع لجان لكارثة البحر الميت وحدها.
كانت الحكومة قد التزمت منذ بداية عهدها بمكافحة الهدر والفساد والتبذير والتنفع بالانفاق من المال العام والتزمت برقم لتخفيض الانفاق الجاري بمبلغ 151 مليون دينار لكن المعلومة التي نشرت أمس من مصدر مطلع بأن جلّ المبلغ جاء من تأجيل دفع مخصصات مقاولين واستملاكات وهذا ليس توفيرا بل تحايل على التوفير فهذه الدفعات واجبة على كل حال وتأخيرها يعطل الأعمال ويضر بحركة السوق ويحمّل الحكومة فوائد إضافية ولا يفيد التقشف والناس تنتظر التوفير الذي يعكس نهج الإصلاح والكفاءة في معالجة الترهل والهدر والفساد الإداري.
الآن بعد استقالة وزيرين هناك ترجيح بأن لا يتم الاكتفاء بتعويض الوزراء المستقيلين بل الاستفادة من المناسبة للتوسع بالتعديل ولذلك تم تفويض وزيرين عاملين بأعمال الوزارتين لأخذ الوقت الكافي لدراسة التعديل. لكن التعديلات الوزارية نفسها لا تلبث أن تتحول الى مظهر ضعف خصوصا إذا لم تنطو على دلالات ذات مغزى بالنسبة لإرادة التغيير في النهج والسياسات.
وما يحصل حتى الآن أن الحكومة لا تعطي انطباعا قويا بنهج جديد مع أن حساسية الحكومة وخصوصا الرئيس تجاه الرأي العام والتفاعل معه – يجب القول – تتجاوز ما رأيناه مع أي حكومة سابقة.
الغد -الاثنين 5-11-2018