ترمب يمارس فلسفة طبائع الاستبداد!
هذا الغرور وهذه القوة الواضحة وهذا التناقض والضياع بين» الأنا» المسيطرة على الرئيس الامريكي دونالد ترمب، وطريقة تصرفاته وخطابه للعالم ولشعبه بأن «أمريكا الديمقراطية» ألزمت نفسها بحل مشاكل العالم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. ولكن سرعان ما تبدى لي، أن هذا هو استبداد وتغوّل من نوع « جديد «، وأنا أسترجع ما جاء في كتاب طبائع « الاستبداد ومصارع الاستعباد « لعبد الرحمن الكواكبي 1854-1902 الذي كان من اوائل الكتب في الفكر العربي الحديث والمعاصر.
طرح الكواكبي موضوع الحرية والديمقراطية التي تتشدق بها أمريكا، من منطلق فلسفي أكثر منه دراسة في العلوم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وأجدني اليوم وأنا كالعالم أتابع ما يجري في أمريكا وعلاقتها مع حدودها أو مع العالم. وبالجوع للكتاب فهمت الكتاب المرجع أن ترمب وما يقوم به من حكم ، فيه تناقض مع نفسه وغيره من الطبقات الاجتماعية أو غيره من الاجناس . ينطبق هذا « الاستبداد « الذي يشرحه الكواكبي فلسفته وتناوله في الدين والعلم والمال والاقتصاد والاخلاق والتربية والمجد.
ومن صفات الحكم المستبد الغرور، ونلاحظ هذه الصفة واضحة في شكل وتصرقات وحركات ترمب الجسدية والتعبير بالكلمة والصورة.غروره بسبب قوته الشخصية المالية، بالاضافة لقوة امريكا أغنى و»أقوى دولة في العالم « نراها تسرح وتمرح كما يشاء الحاكم في بلد يعيش بعيدا عن التهديد المباشر لأرضها وسكانها، يتحدى من لا يوافقه في ترجمة أفعاله العنصرية مثل قراره ببناء سور عظيم على حدود المكسيك من أجل منع الهجرة لأمريكا. بالاضافة، لتحدي شعبه من الفريق الاخر غير حزبه عندما انسحب من الاتفاق النووي الذي أبرمه أوباما قبله، وفرض العقوبات على إيران، ليشير الى استبداد الحاكم.
عامل آخر من أنواع الاستبداد قوة أمريكا في السلاح والتكنولوجيا التي لم تتوفر لغيرها حتى الان بما فيها التكنولوجيا العسكرية. وفي هذا السياق فإن الاستبداد تعزز بسياسة شريكه في الحكم المستبد نتنياهو الذي أصبح نموذجاً جديدا مع ترمب لمواصلة الاحتلال الاسرائيلي و استعمار فلسطين بأسلوب شديد الجرأة والوقاحة وتحدي العالم. بالاضافة، فقوة أمريكا أيضاً تأتي من الاعلام الأمريكي المتطور الذي وصل درجة الاختراق لخصوصية الشعوب والدول. ويلعب الاعلام الجديد اليوم أيضاً في إقلاق وزعزعة ترمب الذي يستعمل هذه الوسائل ومنصات الاعلام الاجتماعي لأغراضه لتعزيز سياسته الاستبدادية المحلية والعالمية، إلا أنها أيضاً كثيراً ما كانت كشفت وسياسته الشعبوية.
إن طبائع الاستبداد التي تعلمناها من الكواكبي، تبشر بأن طبائع «الاستبداد الأمريكي» في عهد ترمب لن تدوم في عالم يسعى الوصول للديمقراطية واحترام حقوق الانسان. فقد أثبت التاريخ ذلك، فالامبراطوريات القديمة مثل الامبراطورية الرومانية، زالت بعد أن وصلت الذروة في السلطة والاستبداد وكان الافول حتميّاً. ولعل ما يعزينا نحن العرب التائهين منا والمهرولين لاستبداد ترمب، أن هناك منا الثابت بالعمل للوصول لحياة أفضل في ارضهم ووطنهم الحر كالفلسطينيين الذين لن تخيفهم قوة وغرور وسلاح ومال الاستبداد. دروس مفيدة وأمثلة واقعية اليوم أعادتني لقراءة معمقة تشير أن الغرور والقوة المفرطة ستنزل كما أمثلة كثيرة في التاريخ القديم والوسيط الى الإمبراطوريات الأوروبية العصرية القديمة والحديثة.
الدستور - الاربعاء 7-11-2018