هل تغيرت الطبيعة أم تغيرنا نحن؟
خلال نحو أسبوعين تكررت الحالة الجوية الطارئة في الأردن وللمرة الثانية هناك ضحايا وإصابات، في الوقت الذي تزدحم النظريات التفسيرية لما يحدث وأسبابه وخلفياته، وأخرى تبحث عن مبررات لما حدث وهناك من يبحث عن جهات لتحميلها المسؤولية، صحيح أن التغير المناخي يعمل على تغيير في نمط الحالة الجوية، لكن علينا أن نقر أن الحالة المناخية للأمطار الرعدية معروفة تاريخيا وليست جديدة او طارئة وليست وليدة عملية التغير المناخي فالطبيعة لا تغير سلوكها بين ليلة وضحاها.
تعرف هذه الحالة مناخيا في موسمين معروفين تاريخيا ؛ الموسم الأول من بداية تشرين الأول وتبقى احتمالاتها واردة إلى الأسبوع الثالث من الشهر التالي، وفي الموسم الثاني تبدأ من منتصف آذار إلى بدايات شهر أيار، وترتبط العاصفة الرعدية باختلاف درجات الحرارة وفي فترات تكون فيها حرارة سطح الأرض مرتفعة. وقد شهد جيلنا منذ التسعينيات العديد من هذه الموجات المطرية منها سيول وفيضانات كبيرة في البترا وفي العقبة وعمان والصحراء الشرقية وغيرها من المناطق، ومن أمثلتها سيول 1994 وسيول 2006 وسيول 2015 وغيرها، وقبل ذلك عرف تاريخيا العديد من حالات السيول الكبيرة والجارفة والتي وفي نفس المدد الزمنية من العام ؛ مثل سيل معان الشهير في 16 / اذار / 1966 الذي جرف أجزاء كبيرة من المدينة وأودى بحياة العشرات وشرد أكثر من 3 آلاف عائلة، وسيل البترا في عام 1963 الذي راح ضحيته 20 سائحا فرنسيا و3 مواطنين، وقبل كل ذلك كله عرف العرب عبر التاريخ هذه الحالات وهناك أوصاف بليغة للسيل العرم والسيل العرمرم في التراث.
إذن، الطبيعة تتغير ولكن ليس لدرجة تحميلها كل هذه النتائج، فما الذي حدث ليجعل آثار هذه الحالات الجوية تزداد فتكا بدل أن تكون إضافة حقيقية للموارد المائية الوطنية. هناك أربع ظواهر مهمة يجب أن نتوقف عندها:
اولا: مستوى استعداد أجهزة الإغاثة والإنقاذ ومدى سرعة الاستجابة، هناك شكوى متكررة أن الشجاعة أي الفزعة تغلب التخطيط والعمل المهني المدروس، هناك شكوى متكررة أيضا من تأخر الاستجابة من قبل الجهات المتخصصة مثل فرق البحث والإنقاذ، صحيح أن مراكز الدفاع المدني القريبة تصل بالوقت المحدد ولكن علينا أن نكون واقعيين فهذه المراكز الصغيرة غير مهيأة للتعامل مع حالات طوارئ كبرى بهذا الحجم ، فالاستجابة الحقيقية تعني العمل الجماعي التكاملي لأجهزة متعددة في الوقت المناسب وهو ما لم يحدث إلا في وقت متأخر.
ثانيا: لقد شهدت معظم مدن وبلدات المملكة على مدى العقود الأخيرة عبثا بالطبيعة زاد من حجم الآثار المدمرة للأمطار، ويتمثل ذلك في الاعتداءات المتراكمة على نظم تصريف المياه الطبيعية، أي الاعتداءات على مجاري الوديان وعلى المناطق المجاورة ( حرم الوادي ) نتيجة التنمية غير المخطط لها والبناء العشوائي الأمر الذي عطل النظم الطبيعية لتصريف مياه الأمطار، إن العوائق التي وضعت في وجه جريان الأمطار في مناطق منحدرة زادت من الآثار المدمرة وسوف تزداد هذه الآثار مع ازدياد العبث في نظم تصريف مياه الأمطار وعدم إيجاد البديل.
ثالثا: تثبت هذه الحالة الجوية حجم التأخر في الاستفادة من الخصائص الطبيعية التي يتمتع بها الأردن، إن هذه البلاد التي تعد من أكثر مناطق العالم انحدارا وتحديدا المرتفعات الغربية المطلة على البحر الميت ووادي عربة تشكل قيمة طبيعية عظيمة لتجميع الأمطار وتحويلها لثروة في بلد يعاني الأمرين من ندرة المياه، لقد حان الوقت لوضع خطة وطنية لتدشين 30 سدا متوسطا وصغيرا خلال السنوات الخمس القادمة التي سوف تساهم في تخفيف الآثار المدمرة للسيول وزيادة المخزون من الموارد المائية.
ثالثا: الحاجة إلى إرساء ثقافة جديدة في التعامل مع ظروف الطوارئ والحالات الجوية المفاجئة والكوارث الطبيعية. علينا أن نتعامل جديا بأننا قد نتعرض لما هو أسوأ وقد نتعرض لزلازل وهزات ولانهيارات أرضية كبيرة.
الغد - الأحد 11-11-2018