جرس إنذار آخر
كنت أريد هذا العنوان للحديث عن الكارثة الطبيعية التي ضربتنا للمرّة الثانية خلال أيام معدودة وآراء الخبراء التي تدعو إلى إعادة النظر بخطط مواجهة الأزمات والكوارث فالأمطار الغزيرة والمركزة التي تصنع خلال دقائق سيولا جارفة خطيرة قد تكون ذات صلة بالتغيير المناخي أي ظاهرة مرشحة للتكرار والاستمرار، وتفرض بحث الموقف من كل الجهات المعنية في البلد فليس معقولا أن ندفع الثمن كل مرة هذا العدد من الضحايا.
لكن أحتاج العنوان للحديث عن كارثة أخرى تنذر ثقافتنا ومجتمعنا ومستقبل أجيالنا وأقصد خطاب التطرف والتعصب والكراهية والتحريض الذي يطلّ برأسه مع كل فرصة مواتية ليفتعل معركة استعراضية غير مبررة تضلل الرأي العام وتشرعن لنهج الوصاية على الدين خدمة لأجندة خاصّة مصلحية وسلطوية.
فبينما كان الأردن كله يعيش حالة طوارىء مظهرا أجمل ما فيه من تضامن وتعاضد ومواطنة صالحة ودفء في المشاعر مثل أسرة واحدة بل جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمّى، وبينما كان الأردنيون يفزعون بنخوة رائعة مع رجال الأمن والدرك والدفاع المدني الذي استشهد أحد غطاسيه البطل حارث الجبور أثناء أعمال الإنقاذ. في نفس الوقت كان ثمة مجموعة مشغولة بعصابها الذهني التكفيري ومنغلقة على عالمها الظلامي تترصد شخصا لم تعرفه إلا من خلال حملة تشهير وتكفير باطلة فتقوم بخطفه وتقييده في مكان معزول والاعتداء عليه وتعذيبه بوحشية حتى وجدته الشرطة فجر الأول من أمس ونحمد الله أنها وجدته حيا. لكن أي جرس إنذار تقرعه هذه الحادثة؟!
بدأت القضية بشكوى من النائب في البرلمان السيدة د.ديما طهبوب (جبهة العمل الاسلامي) تتهم فيها قائمين على مشروع ندوة بالإساءة للذات الإلهية وازدراء الأديان! بالتزامن مع حملة باطلة ترويعية وتكفيرية على وسائل التواصل يبدو أنها أخافت وزير الداخلية فأصدر قراره بمنع الندوة فتحقق هدف الحملة بخلق أعداء وشيطنتهم. وتم التغني بالنصر على الإلحاديين أعداء الله والدين !! ولولا مذكرة طهبوب وقرار وزير الداخلية لمرت الندوة بسلام ودون أثر يذكر كما مرت بسلام ندوة معاكسة وفي نفس التاريخ تحت عنوان "التحصين ضد العلمانية الملحدة" دون اعتراض من أحد! وأنا شخصيا لم أكن قد سمعت بـ"مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث" وأعتقد أن المعتدين على السيد يوسف قنديل رئيس المؤسسة لم يعرفوه إلا بهذه المناسبة ولم يقرأوا له أو عنه شيئا، تماما كما هو حال قاتل الشهيد المرحوم ناهض حتر الذي اعترف أنه لم يقرأ له ولا يعرف عنه إلا الاتهامات على وسائل التواصل.
كان يمكن للمعترضين على الندوة لو كانت قضيتهم محقة وعادلة أن يلجأوا الى القضاء والقانون الذي يجرم ازدراء الأديان والإساءة للذات الإلهية لكن هذا آخر ما يريدونه فقضيتهم هي استثارة الرأي العام وخلق أجواء الترهيب الفكري فهم الحاكم والحكم والحارس للدين وفي النهاية المنفذ للثواب والعقاب، العقاب بعنف وبلطجة فوق القانون.
على وسائل التواصل قرأت تعليقات لا تستنكر واقعة الاعتداء بل تنكر حدوثها وتفترض أنها مسرحية للحصول على الشهرة والتعاطف من السيد قنديل. وهذا بات أسلوبا مألوفا ومعروفا يقوم على تبرئة المتطرفين من أعمال ارهابية لا يمكن قبولها ولكن في نفس الوقت يتم تبريرها. وقد كتب معلقون ان عملية اختطاف قنديل مسرحية مرتبه منه نفسه لكنهم في نفس الوقت يحكمون عليه بالزندقة وأنه يستحق ما ناله! حسنا نحن مرة أخرى مع القانون ويد القانون طويلة وستكشف الحقيقة .
الغد - الاثنين 12-11-2018