رائدات العمل النسوي...
المكانة التي حققتها المرأة الأردنية ما كانت لتحدث لولا جهود ومثابرة وتميز العشرات من السيدات اللواتي اتخذن الخطوات الأولى على الطريق الطويل .
العديد من الرائدات اللواتي التحقن بالتعليم وأسسّن نواة المدارس والمعاهد التي خرجت الأفواج الأولى من المعلمات رحلن بصمت و دون توقف عند الجهود والشجاعة والمعاناة التي صاحبت مسيرتهن.
الكثير من النجاحات التي تحققت بميادين التعليم والريادة في بدايات تشكل المؤسسات وانطلاقة المجتمع التنموية ما كانت لتحدث لولا التصميم والإرادة والصبر والإيمان الذي تحلت به رائدات التغيير في مجتمعنا بالفترة التي أعقبت حصول الأردن على الاستقلال.
المشاركة الواسعة للمرأة الأردنية في الحياة العامة كانت نتيجة طبيعية للنضالات التي قادتها النساء الأوائل من اللواتي امتلكن الجرأة والإيمان وروح الريادة التي قد لا تدركها الكثير من النساء اللواتي يتبوأن مواقع قيادية مهمة اليوم .
لا أعرف كم من النساء اللواتي يدافعن عن حقوق المرأة ويطالبن بمساواتها يعرفن عن نوع التحديات التي واجهتها كل من الدكتورة نجاح الجمل في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وما كان يدور في خلد السيدة نجوى أبو الهدى وعائشة حجازي وعيدة المطلق واملي نفاع ونمرة طنوس وهيفاء البشير وغيرهن من النساء اللواتي حملن مشعل العلم والريادة في الأوقات التي كان حضور المرأة في الفضاء العام نادرا.
لا اظن أن في الأردن رجلا أو امرأة ممن عاشوا في نهايات القرن الماضي لم يسمع بالسيدة إنعام المفتي والسيدة ليلى شرف فقد كانتا جزءا من المشهد السياسي والاجتماعي الأردني ولكل منهما حضورها الطافح في الميادين والفضاءات المحلية والعربية والسمعة العطرة التي يفوح من جنباتها الانضباط والتفاني والخلق والعمل المنتج. في جزء من رحلة السيدتين الكثير من التشابه والقليل من الاختلاف فقد تشابهتا في التفكير والمظهر والالتزام والانحياز إلى كل ما هو أصيل وحداثي وعادل وكانتا الأشد حرصا على احترام التقاليد والأخلاق وهوية المجتمع.
قبل أيام قليلة رحلت عن الدنيا السيدة إنعام المفتي بعد رحلة طويلة في العمل العام والريادة حيث كانت الوزيرة الأولى وواحدة من النساء الثلاث الأوائل اللواتي جرى اختيارهن لعضوية المجلس الوطني الاستشاري والمرأة التي شغلت عضوية مجلس الأعيان ورئاسة مؤسسة نور الحسين حيث نجحت في جعلها مؤسسة ريادية في ميادين الثقافة والموسيقى والتعليم والتراث والحرف ورعاية الطفولة وتنمية المرأة. هذه المجالات التي شكلت رافدا مهما لأعمال المؤسسات ومختبرا موثوقا لتجرية وتطوير الأفكار والمبادرات التي كان لها الأثر في إغناء مسيرة الأردن التنموية.
لم يكن اختيار السيدة المفتي تطبيقا لنظام محاصصة أو تمثيلا لجهة أو لاستكمال معادلة يجري فرضها على المجتمع كما أنها لم تكن محسوبة على جماعة أو مركز قوة أو واجهة عشائرية، بل كان قرارا احتفل به الجميع باعتبارها سيدة تمثل الريادة وتمتلك فكرا ومنهجا ومظهرا وإرادة تؤهلها إلى موقع القيادة. فلم تكن المحاصصة المناطقية والكوتات العشائرية والجهوية ولعبة المصالح قد تعمقت في ثقافة المجتمع وهيمنت على تفكير من يشغلون الفضاء العام .
في تلك الأيام كان الوزراء والمدراء وحتى الموظفون العموميون يشعرون بثقل المسؤولية وينصاعون للأنظمة والقوانين ويستمدون الكثير من السلطة من التزامهم بالقيام بواجباتهم حسب أعلى معايير النزاهة والكفاءة والمسؤولية .
وكما في حالة السيدة المفتي جاءت ليلى شرف كأول وزيرة للإعلام في ثمانينيات القرن الماضي وظلت طوال حضورها في الفضاء العام حريصة على التطوير ومدافعة عن حرية التعبير تتطلع إلى أردن عصري تلعب المرأة فيه أدوارها دون خوف أو رهبة أو تردد.
من باب الإنصاف والعدل والاعتراف بالجميل علينا أن نخلد أسماء الرائدات في مناهجنا ومتاحفنا ومؤسساتنا وفضائنا العام فقد صنعن للمرأة والمجتمع تاريخا من الصعب تجاهله أو التغاضي عنه.