"ما تسكتوش".. التحرش جريمة
منذ 25 من تشرين الثاني (نوفمبر)، انتشرت في عمان ومحافظات أخرى لافتات توضيحية وتثقيفية ضد ظاهرة التحرش، والدعوة للمتحرش بهن لعدم السكوت، وفضح الجاني، واحتوت اليافطات حثا صريحا وواضحا للنساء على التقدم بشكوى، وعدت الكثير من الأماكن التي قد يحصل فيها الفعل التحرشي.
الحملة تلك تأتي متوافقة مع اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، ضمن حملة دولية بدعم من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والحكومة الكندية، ويأتي انطلاق هذه الحملة بالتزامن مع اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة الذي أطلقته هيئة الأمم المتحدة، في فعاليات متعددة تستمر حتى 10 كانون أول (ديسمبر)، والذي يصادف اليوم العالمي لحقوق الإنسان.
اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة أعلنت عن هذه الحملة، لنشر الوعي وتعبئة المجتمع لمواجهة التحديات التي تواجهها المرأة الأردنية في الحياة العامة والتضامن معها، ودعوة المرأة لعدم الصمت عن التحرّش والمضايقات الجنسية التي تتعرض لها، عبر التأكيد على أنّ التحرّش بمختلف أشكاله جريمة وانتهاك لحقوق الإنسان، وأنه شكل شائع وخطير من أشكال العنف ضدّ المرأة، لا يمكن الاستمرار في السكوت عنه.
بحسب الأمينة العامة للجنة الوطنية لشؤون المرأة الدكتورة سلمى النمس، فإن نتائج دراسة حول ظاهرة التحرش بأنواعه (الإيمائي، اللفظي، الجسدي، النفسي، والتحرش الإلكتروني)، أعدتها اللجنة وجمعية معهد تضامن النساء الأردني (تضامن) أظهرت أن التحرش الإيمائي نال الحصة الأكبر من حيث الانتشار، تلاه التحرش اللفظي، ثم الإلكتروني والجسدي وأخيراً التحرش النفسي، وأشارت الدراسة إلى أن التحرش الإلكتروني أصبح ظاهرة مثيرة للقلق، وبحاجة لاهتمام خاص، وأن ثقافة الصمت لا زالت سائدة، حيث جاء الخوف على السمعة كأحد أهم الأسباب للتصرف بشكل سلبي إزاء المعتدي، مما يؤكد ضرورة إحداث تغيير مؤسسي ومجتمعي تجاه الظاهرة وآلية التعامل معها.
الطامة الكبرى أن المجتمع ما زال يحاول بكل طاقاته إغماض العين عن ظاهرة التحرش واعتبارها ثانوية لا يجوز تسليط الضوء عليها، وأحيانا ممارسة صمت يحاط بإنكار على المستويين المجتمعي والرسمي، إذ تتجنب الجهات المعنيّة ووسائل الإعلام الرسميّة، الإقرار بأن التحرش الجنسي بات ظاهرة في الأردن، فهذا السلوك غير المنطقي والبعيد عن أبسط حقوق الإنسان يدفع الضحايا (المتحرش بهن) إلى الالتزام بالصمت لعدم قدرتهنّ على التعامل معها.
وضع الرأس في الرمال لا يفيد فالمؤشرات كلها تدل على أن ظاهرة التحرش تتوسع، وبالتالي بات لازما علينا مواجهتها من خلال إعادة النظر بالقوانين التي يتوجب أن تتضمن نصوصا صريحة لمحاربة الظاهرة والتصدي لها، إذ لا يشتمل قانون العقوبات ولا قانون العمل على نصوص صريحة لتجريم التحرش وحماية ضحاياه والاقتصاص من المتحرّشين، وما تزال المادة 320 من قانون العقوبات، تمثل غطاءً للمتحرشين بنظر قانونيين، وذلك لاشتمالها على عبارة تقيد فعل التحرّش بأنه ذلك الذي يحدث بصورة يمكن معها لمن كان في مكان عام أن يراه، حيث يصعب على المرأة في معظم الحالات إثبات واقعة التحرش عليها، وفق ذاك التعريف.
الدراسات حول موضوع التحرش غير موجودة ونادرة الأمر الذي دفع منظمات مجتمع مدني لإجراء دراسات حول الموضوع لتبيان الظاهرة، وتجاوز النقص الحاصل في البيانات والمعلومات التي تساعد على الوقوف على حجم المشكلة في المجتمع الأردني ورصد الأشكال المختلفة للتحرش والعنف المبني على النوع الاجتماعي، وقياس وعي المجتمع حيال هذه القضية، وكشفت أن نسبة عالية من السيدات تعرضن لمرة أو أكثر لأفعال وسلوكيات التحرش.
علينا أن نكون واضحين مع أنفسنا، جادين في قراءة المشهد الداخلي والإيمان أننا مجتمع يتوسع وأن عملية الإنكار لا تفيد، وأن التحرش ظاهرة تتوسع وعلينا المسارعة إلى التعامل معها ومحاربتها وزيادة الوعي المجتمعي بها قبل تفاقمها مجتمعيا.
الغد - الاثنين 10-12-2018