الدِّين ضرورة وليس ترفًا
خلق الله تعالى الملائكة طائعين، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، فلا يملكون إرادة أو اختيارا، أو غريزة. أما الحيوانات فغريزتها هي من يدفعها للعيش والبقاء، فهي مسيّرة بغريزتها بلا تفكير، فلا إرادة لها أو اختيار، لذلك نجدها تكتفي بإشباع نفسها عند اصطيادها لفريستها، أو حصولها على طعامها، ولا تطمع في المزيد. كما أنّ غرائزها الجنسية منضبطة بشكل يضمن بقاءها وتكاثرها.
أما الإنسان فليس مخلوقا طائعا كالملائكة، وليس منضبطا بغريزته كالحيوانات؛ لأنه يملك العقل والإرادة و الحرية والاختيار، لذلك نجده لا يكتفي بما بين يديه من مال يكفيه، بل يسعى للمزيد، ولا يكتفي بطعام يشبعه وأهله، بل يسعى للاستزادة، ينظر إلى ما عند الآخرين ويحاول أن يحصل عليه بكل طريقة ووسيلة، مقبولة أو غير مقبولة، ويحتال لذلك، ويرسم له الخطط والمكائد.
هنا تظهر أهمية الدين في حياة هذا الإنسان؛ لأنه إن أسرف في تحقيق شهواته ولم يكتف بطعامه وزوجته ونظر إلى طعام الآخرين وزوجاتهم، فإنه سيكون شرّا من البهائم والحيوانات. أما إذا حفظ شهواته ورغباته وجاهد نفسه وفق المنهج الرباني الذي جاءت به الرسل، فإنه سيرتقي إلى صفّ الملائكة.
وأما إذا قيل: ما حاجتنا إلى الدين، أليس العقل كافيا ليردع الإنسان عن غيّه؟ فالجواب: إن العقل لا يصمد كثيرا أمام نار الشهوات المستعرة في الإنسان، ولسوف تُسخّرُ الشهوةُ هذا العقل ليكون تابعا لها، خادما لرغباتها، فبدل أن يمنعها من الحماقات، سيُيسِّر لها السبيل إليها. أما ما يَمنع العقل من هذا الخضوع والاستسلام لنيران الشهوات هو قوة مضادة قادرة على إطفاء لهيب الشهوات. هذه القوة المضادة هي حب لله والخوف منه، فبين رغبة ورهبة، يستيقظ هذا العقل من كل غفلة قد تطرأ عليه، ويكسر كلّ قيد تفرضه الشهوات على يقظته.
هل يكفي العقل وحده كي لا يسرق الإنسان أو يعتدي على حقوق الناس، أو يشهد الزور، أو يقبل الرشوة، أو يقتل، أو يزوّر، إن الإنسان يحبّ الاتساع وتحقيق رفاهيته ولو على حساب الآخرين. والدول كذلك تحبّ التوسع وتحقيق الرفاهية لشعوبها على حساب الشعوب الأخرى، فهل يكفي العقل وحده؟ إننا نحتاج إلى حبّ الله المانع من الشر، والخوف من الله الحاجب عنه، لذلك كان الدين ضرورة في حياة الإنسان وليس ترفا.
الدستور - الثلاثاء 18-12-2018