استثمار رأس المال السياسي
مع بدایة عام جدید، تبدو سلطات الدولة الأردنیة أكثر انسجاما وفھما للبیئة السیاسیة المحلیة
والإقلیمیة، وأكثر قدرة على تقاسم الادوار والمھمات وادراك حجم وحساسیة الظروف الاقتصادیة والسیاسیة ومصادر التھدید مقابل ما تنطوي علیھ ھذه الظروف من فرص، یقود جلالة الملك ھذه الحالة ضمن سلسلة من الخطوات على المستویات المحلیة والإقلیمیة والدولیة
كما عكستھا نتائج الزیارات الأخیرة للولایات المتحدة والعراق وما تبعھما.
لقد بقیت العلاقات الأردنیة العراقیة في السنوات الخمس الأخیرة تراوح مكانھا خطوة إلى ا لأمام، وخطوة أو خطوتان إلى الخلف مع ضعف في المبادرة الأردنیة مقابل حالة السیولة العراقیة والریبة والشك وعدم تشكل اعتقاد سیاسي ناضج في بغداد یدیر السیاسة الوطنیة من خلال شبكات المصالح وحقائق الجغرافیا والتاریخ، ومع إعادة تشكیل النخب السیاسیة وفي المقدمة الرئاسات العراقیة جاءت المبادرة الأردنیة نحو بغداد في وقتھا سواء في الزیارة
الحكومیة أو في الزیارة التاریخیة لجلالة الملك والتي فتحت الطریق أمام الحكومة للسیر قدما في استعادة الأسواق العراقیة والدفع نحو التطبیق الكفؤ للاتفاقیات التي تمت، ونحن نعلم جمیعا ان ھذه الخطوة باتجاه العراق لن تكتمل بدون خطوة جریئة باتجاه دمشق، علینا قراءة حركة المصالح في الإقلیم وما تملیھ من وقائع، علینا أن ندرك حقائق ومحددات الجغرافیا السیاسیة في المنطقة قبل فوات الاوان فتأمین الجنوب السوري مصلحة وطنیة أردنیة ذات أولویة قصوى في ھذا الوقت.
یتكرر الأمر في بعض التقدم الذي حققھ رئیس الوزراء وفریقھ الاقتصادي في التفاھمات الأولیة مع المؤسسات المالیة والنقدیة الدولیة في الزیارة الأخیرة للولایات المتحدةء، التي استثمرت ایضا الأبواب التي فتحتھا زیارة جلالة الملك الأخیرة، وعلى الرغم من الرفض الشعبي لسیاسة المزید من الاقتراض، إلا أن الظروف الاقتصادیة واحتمالات التأثیرات السلبیة لقانون الضریبة الجدید
دفعت نحو إجراءات أخرى للحفاظ على الاستقرار النقدي مع الانخفاض المستمر للاحتیاط
النقدي. وبھذا الخصوص نحن بأمس الحاجة إلى سیاسة واضحة ومعلنة للاقتراض والحاجة إلى إصلاح قانون الدین العام لا بل أن نتذكر أن ھناك قانونا اسمھ قانون الدین العام تم تجاوزه وتشویھھ.
صحیح أن الأردن یتمتع برأس مال سیاسي كبیر، ولكن قلیلا ما استثمر أو وظف ھذا المورد بشكل مثمر، إن كل ما نردده یومیا حول قوة القیم السیاسیة والثقافیة التي دشنتھا الدولة الأردنیة وقیادتھا عبر عقود من العلاقات التعاونیة والسلوك السیاسي الرشید وسط بیئة صراعیة ومعقدة من الدرجة الأولى یحتاج ان یتم تحویلھ الى مصالح حقیقیة ومبادرات تنعكس على نوعیة حیاة الناس وھذه ابسط معاني السیاسة سواء المحلیة الدولیة والاقلیمیة. أمام الأردن فرصة ثمینة ھذه الأیام لتقدیم صورة مختلفة وجدیدة لمعنى العروبة والعمل القومي بعدما وصل العالم العربي إلى فقر استراتیجي وتفریغ من الثروات والقدرات في حالة غیر مسبوقة، ھذا الدور بات مطلوبا ومرغوبا في ملفات عدیدة؛ السوري واللیبي والیمني وحتى اللخلیجي؛ ھذه الصورة متجذرة في الأداء السیاسي الأردني القائم على دبلوماسیة تعاونیة وواقعیة لا تصرف في التوقعات والآمال الكبیرة وتحافظ على وضوح سیاسي مرتبط بوضوح أخلاقي جعل من ھذه الدولة الصغیرة قوة سیاسیة مؤثرة في الأحداث وفي أزمات الإقلیم علاوة على القیمة المضافة للوضوح الاخلاقي واحد امثلتھ الكبیرة ھذا العمق الإنساني الذي جعل من ھذا البلد الملاذ لكثیر من المھجرین واللاجئین ولكل المظلومین والمطاردین رغم ظروفھ الاقتصادیة الصعبة.
الثراء السیاسي كما یعني القدرة على إعادة تشكیل توقعات الناس، یعني القدرة على إعادة تشكیل توقعات الإقلیم في دور الرشد والعقلانیة السیاسیة في تشكیل مصدر مھم من مصادر القوة السیاسیة التي احتكرت على مدى أربعة عقود لصالح مراكز الثروات المالیة التقلیدیة.
الغد - السبت 19=1=2019