الإيمان بالغيب
من أوائل صفات المتقين أنهم يؤمنون بالغيب، وهو أمر غير مشاهد ولا محسوس، كالجنة والنار، ولا سبيل للعقل أن يحيط علما بالغيب، ولكن يمكن له أن يسلم بوجوده دون شهوده إذا قامت الأدلة العلمية على وجوده.
فالله تبارك وتعالى لم يره الإنسان لكن العقل يستطيع أن يصل إلى وجوده ووحدته من خلال ما يرى في هذا الكون الذي خرج من العدم إلا الوجود، فتم ترجيح كفة وجوده على عدمه، وهذا الترجيح لا بد له من مرجح، وهذا المرجح هو الله تعالى، الذي خلق وصنع وأبدع ونظم، وكل شيء في الوجود شاهد على وجوده. وهذا العقل المحدود يعرف أن من بديهيات قواعده أنه لا يمكنه أن يدرك المطلق، وأن هذا الإدراك لا يتصوّر وجوده أو وقوعه. ومع ذلك يعلم هذا العقل أن عجزه عن الإحاطة والإدراك بالمطلق لا يلزم منه عدم وجوده.
وكذلك الغيبيات لا طاقة للعقل على إدراكها وحده، لذلك صار لزاما عليه أن يسلّم بطريق آخر للمعرفة، وهو الخبر المتواتر الصادق عن الذي يعلم السرّ وأخفى، من كتابه الذي أنزله، ومن رسوله صلى الله عليه وسلم الذي بعثه.
من خلال الإيمان بالغيب يرتقي الإنسان عن البهائم التي تعتمد على حواسّها فقط، ومعرفتها لا تتجاوز المحسوسات، بينما الإنسان يعتمد على المحسوس والمشاهد، بالإضافة للعقل، والخبر الصادق.
من الناس من يحصر الوجود بما هو مشاهد، وأن غير المشاهد لا وجود له، وقد تبين لنا فساد هذا الرأي، لكن ماذا يريد هؤلاء؟ هؤلاء يريدون حبسنا في قلعة الحس أو زنزانة المحسوس، كي لا نخرج منها ولا نتعداها، مع أننا بتجاوزنا لها سنتعرف على دار أخرى تنتظرنا، ولا مقارنة بين الدارين. فالهدف الأساس إنكار وجود الله، وإنكار البعث بعد الموت، وإنكار الحساب، والجنة والنار، وكل ذلك باسم العلم زورا وبهتانا، ثم من خلال مطرقته يتم هدم ركن أساسي من أركان العقيدة الإسلامية، فيفقد الدين جوهره ومعناه.
الدستور -21-1-2019