حبس المدين ونفقة السجين
الحكومة بصدد إعداد مشروع قانون معدل لقانون التنفيذ فيما يتعلق بحبس المدين، وقد كنت من أوائل من كتبوافي هذا الموضوع، ثم تبنى مجموعة من السادة النواب المحترمين الفكرة وطالبوا الحكومة بمشروع قانون معدل يلغي حبس المدين باعتباره يناقض المادة الحادية عشرة من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان باعتباره معاهدة دولية مقدمة على القانون الوطني وكتب الاستاذ الدكتور ليث نصراوين منبها إلى أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان معاهدة دولية غير نافذة في الاردن لعدم عرضها على مجلس
الامة بصيغة قانون، وهو محق في ذلك.
من جانب آخر فإن إلغاء حبس المدين بشكل كامل وشامل سيخلق مشكلة اجتماعية واقتصادية كبيرة إذ سيفقد عدد كبير من الدائنين كل وسيلة لتحصيل حقوقهم بالإضافة إلى فقدان عدد كبير من الأحكام المدنية لوسيلة تنفيذها حين يكون
المحكوم عليه قد سجل أملاكه بأسماء أبناء وأصدقاء قبل أن يقوم بالاقتراض أو الاتجار، الأمر الذي يعني انتعاش حركة اللجوء إلى البلطجية لتحصيل الديون.
صحيح أن تشريعات الدول المتقدمة لاتجيز حبس المدين بدين مدني ولكن الفارق بيننا وبينها أن المدين لديهم يتعرض لعقوبات أخرى اقتصادية إذ يفقد القدرة على حمل بطاقة فيزا او الاقتراض أو حتى التجارة وهي مسائل جوهرية في تلك المجتمعات المتقدمة اقتصاديا ومصرفيا.
نحن بحاجة إلى حل وسط مرحلي قبل الإلغاء الشامل لحبس المدين ومن هنا كان المقترح الذي كنت قد كتبته يتلخص في إلغاء حبس المدين المحكوم بدين يكون الدائن فيه مؤسسات الإقراض وصناديق التمويل والبنوك لأنها الطرف القوي الذي يعرض خدمات الإقراض وهو من يختار المقترض ويحدد الضمانات وهو من ارتضى الإقراض بتلك الضمانات بل ويقوم باستدراج المقترضين باعلانات التمويل الاستهلاكي مثل (سيارتك بدون دفعة أولى وعلى مئة شهر) وعليه أن يتحمل نتيجة قراره، وتلك المؤسسات لديها تأمين على المخاطر ومخصصات ديون معدومة وليس من المنطق أن يحبس مدين لبنك بمبلغ الف دينار مدة ثلاثين يوما ويتكلف حبسه ٧٥٠ ديناراً على حساب الخزينة ويريح البنك فوائد ايضا!!.
وعليه فانا اقترح أن نلغي حبس المدين للبنوك ومؤسسات الإقراض أو نبقي الحبس كما هو ويلزم الدائن بدفع كلفة السجين مسبقا. وقد فاجأني عطوفة الصديق القاضي المتقاعد احمد جمالية الذي سعدنا بانضمامه إلى نقابة المحامين، حين ارسل لي صورة قانون الإجراء لعام ١٩٢٦ ،والذي تنص المادة الثانية منه على ما يلي (أن الدائن مجبر على الإنفاق على المديون مدة سجنه، وان بدل النفقة اليومية هو خمسة قروش يوميا لكل مسجون، ولا يسجن المديون إلا إذا دفع الدائن الى مدير السجن بدل نفقة لمدة شهر سلفا).
وتنص المادة الثالثة (اذا لم يتكرر تأدية بدل السجن بعد شهر يترك المديون من السجن ولا يسجن مرة ثانية لأجل المبلغ الذي كان مسجونا لأجله).
لقد كان هذا القانون متقدما على القانون الحالي واظنه جاء لمعالجة ظاهرة المرابين في وقت مبكر من تأسيس الإمارة قبل استقرار وانتشار النظام المصرفي، ولكننا نشاهد ومنذ عشرين عاما عودة ظاهرة المرابين الفرديين بكثافة وبفوائد تصل إلى ضعف الدين سنويا الأمر الذي تسبب بخراب بيوت وإفلاس تجار ومشاكل اجتماعية كثيرة.
لايجوز لخزينة المملكة أن تدخل غارما بين طرفي عقد قرض مدني فتتكلف من اموال دافع الضرائب مبالغ طائلة نفقات سجناء قضى بحبسهم قانون التنفيذ وعلى الدائن أن يدفع إذا اختار طلب حبس المدين وحينها سيكون الخيار الأفضل له نظرة إلى ميسرة أو تسوية بأقساط معقولة الأمر الذي يعزز التصالح الاجتماعي ويحمي المجتمع من آثار سلبية ناتجة عن حبس المدين.
الراي - الثلاثاء 23 -1-2019