الأعيان والعفو
نعرف أن النواب أحياناً يعملون تحت الضغط، وأهم الضغوط ما يقع في باب المطالب الشعبية، وبالتالي هناك من يأتيهم للتوسط لتخفيف العقوبات على أبنائهم، وهذا امر طبيعي. والشفعات وطلب العفو عن المذنبين كان تقليدا إسلاميا يقوم به العلماء أمام الحكام.
لكن طلب العفو والصفح عن المخطئين يجب أن يكون لإصلاح الناس وتعميق الأثر الايجابي من المدة التي مضت من العقوبة في السجن، لكن الحديث اليوم عن توسيع مشروع قانون العفو العام الذي أرسلته الحكومة للنواب وتوسعوا فيه، ومن ثم توقف عنده مجلس الأعيان بتدقيق وتفحص هام، يجب النظر إليه من باب العقل، ووزن الأمور بميزان الذهب.
أولاً، العفو يجب أن يكون لمن ارتكب جرماً لأول مرة، وليس لديه سجل سوابق وسجلا جرميا، فهذا يتضح أنه لا يتعظ ولا يعدل سلوكه، وثانيا العفو عن حق الدولة فيما إذا اسقط الناس خصوماتهم وحقوقهم، وهناك حالات أخرى قررها المشرعون وهي مسموعة ومطلوب العفو فيها.
أما التوسع في العفو العام ليشمل من سرق مال الدولة، الذي هو الماء والكهرباء، فهذا أمر لا يجب أن يمر ولا يمكن أو يعقل أن نفكر بمكافأة الجاني على مصير بلد وهيبتها وعلى حقوق أهلها، ومن جر كهرباء في وضح النهار، ومن سرق ماء الناس، وزرع منه، هو من لا يقيم وزناً لوجود الدولة أصلاً، فهذا لا ينتظر العفو ولا يهتم به.
صحيح أنّ التعميم مرفوض، وأنّ هناك من غُرر به، ومن وقع ضحية، لكن النظر بعين العقل للعفو ونتائجه هو الأهم، ويجب أن نسعى إلى تقييد العفو لا إلى توسيعه وإطلاقه للكل، فالتشريع يجب أن لا يستهدف إرضاء الجمهور، بل اعادة الناس لأهمية القانون وفهم غاياته، والغاية العظمى منه وهي ردع الجريمة وتحقيق العدل.
لقد مرَّ الكثير من حالات العفو في تاريخ بلدنا، لكن للأسف في بعضها خرج مجرمون، أكثر كرهاً، فعاثوا فساداً وتدميراً وارهاباً، هؤلاء ممن احترفوا الجريمة يجب ان يبقوا حتى ينهوا حكمهم وعقوبتهم، وهناك من خرج واستقام حاله، وبنى حياة جديدة، وكان للعفو أثر ايجابي على سلوكه.
أخيراً، لسنا ضد العفو، لكن نحن ضد تقويض معناه بمكافأة متعددي الجرائم والسوابق، ومن اعتدوا على مقدرات الدولة وحقوقها، فالمطلوب حكمة الأعيان وتعاون النواب كي نخرج العفو بأفضل صيغة..
الدستور -الثلاثاء 29-1-2019