نُمُوّ وَهميّ
الكُلّ يَعلم جيداً ان مُعدّلات النُمُوّ الاقتصاديّ خلال السنوات 2004-2008 كانت بحدود 6 بالمئة وهي مؤشر مهم على تلك الفترة التي يَتَباهى الكثير من المسؤولين خلالها بأنها كانت حقبة ذهبيّة.
ما يقولوه المسؤولون السابقون عن تلك الفترة، هو بحدّ ذاته نقد لإداء الحكومات التي تلتهم والتي فَشَلت جَميعُها بلا استثناء بالمحافظة على مُعدّلات نُمُوّ مُرتفعة، وأن سياساتهم وإجراءاتهم أدت إلى تباطؤ الاقتصاد لِمُعدّلات نُمُوّ مُتدنيّة لا تتجاوز في احسن حالتها 2.3 بالمئة.
هذا الادعاء حق يُراد به باطل، فالاقتصاد الأردنيّ طالما كان ومازال يَقبع تحت الأزمات المُختلفة، والنُمُوّ الحاصل ليس نتيجة نشاط اقتصاديّ مؤسسيّ كما يَعتقد البعض في القطاعات الاقتصاديّة المُختلفة، وإنما نتيجة عوامل وإجراءات استثنائيّة لا تتكرر في العادة، وهي مُرتبطة أساسا بمناخ دوليّ فرضته تحديّات داخليّة وخارجيّة في آن واحد.
أولى هذه العوامل التي ساعدت على تحقيق النُمُوّ هو برنامج التخاصيّة الأردنيّ الذي كانت ذروة تطبيقه في السنوات الخمس التي تلت عام 2003 ، وكان هناك برنامج مُزدحم في التخاصيّة لبيع أصول الدولة المُختلفة وأسهمها في الشركات لتوفير إيرادات ماليّة كبيرة تدعم الخزينة التي تُعاني من عجز مُزمن وكبير في ميزانيتها، والمعروف أن برنامج التخاصيّة وفرّ ما يُقارب 2.5 مليار دينار في تلك السنوات، اُستخدمَ منها 1.65 مليار دينار في صفقة نادي باريس المشؤومة لشراء ما يقارب 3 مليارات دينار من ديون الحُكومة الخارجيّة لدول مُتعددة بخصم 11 بالمئة في ذلك الوقت، والنتيجة هي أن الدين العام عاد وارتفع ضعفيّ ما كان عليه بعد ستة اشهر من الصَفقة.
العامل الآخر كان يتعلق بسياسة الدعم الحكوميّ التي كانت جميع الحكومات بلا استثناء بعد عام 2003، تُمارس إجراءات رفع الدعم عن المحروقات لدرجة أن حكومة الذهبي ألغته تماما على كافة المُشتقات باستثناء أسطوانة الغاز ومنحت حينها زيادات على رواتب العاملين في القطاع العام بقيمة تراوحت بين 45-50 دينارا لكل فرد، والرفع عن الدعم كان يولد للخزينة سنويّاً إيرادات جديدة بقيمة لا تقل عن 300 مليون دينار على أقل تقدير، مما كان له الأثر على النُمُوّ في تلك الفترات.
تدفق العراقيين للأردن بعد احتلال بغداد في سنة 2003، وقد بلغ عددهم في بعض السنوات التي تلت الحرب حينها أكثر من 750 الف عراقيّ يقيمون في مختلف محافظات المملكة وتحديدا العاصمة عمّان التي احتضنت غالبيتهم خاصة من رجال الأعمال وكِبار المُستثمرين الذين ضخوا أموالا كبيرة في السوق المحليّة، وكان لهم أثر بالغ في زيادة الودائع بالجهاز المصرفيّ من جهة، ونمو التداولات في سوق راس المال الأردني الذي تجاوزت قيمته السوقية في بعض الفترات السابقة 40 مليار دينار من جهة أخرى.
المُساعدات الاستثنائيّة والمنح التي حصل الأردن عليها في السنوات 2003-2008 والتي استمرت على النحو السابق ليومنا هذا، وهي مُتنوعة جداً، فالنفط العراقيّ التفضيليّ الذي انقطع بعد الحرب في عام 2003، اُستبدل بنفط سعوديّ وكويتيّ بلغ 150 الف برميل يوميا، وهذا استمر لمده عامين تحوّلت بعد ذلك إلى منح ماليّة مُباشرة للخزينة، في حين أن المُساعدات الاقتصادية الأمريكيّة ارتفعت من 256 مليون دولار إلى اكثر من 550 مليون دولار، ناهيك عن أضاعف المُساعدات العسكريّة، إضافة إلى منحة ماليّة مُباشرة بقيمة 900 مليون يورو حصل الأردن عليها بعد حرب العراق مباشرة من دول صديقة.
العوامل السابقة كان لها الفضل الكبير والحاسم في رفع مُعدّلات النُمُوّ الاقتصاديّ إلى 6 بالمئة، لأنها جميعاً وفرت إيرادات جديدة للخزينة من مصادر تمويل قد لا تؤمن مثل التخاصيّة التي تقريبا شبه انتهت الآن، وبالتالي فإن من الأجدى بالمعنيين أن يقيموا تلك الفترة تقييماً اقتصاديّاً حقيقيّاً يوفر خارطة طريق واضحة لراسم السياسة الاقتصاديّة، لكيفية النُمُوّ الاقتصاديّ في تلك الفترات، فالذي تحقق هو نُمُوّ مُصطنع مدفوعاً بعوامل استثنائيّة وليس نُمُواً مؤسسيّا قابل للحياة.
الدستور - الثلاثاء 29-1-2019