قانون اتِّحاد الغُرَف
لا يوجد في دول العالم تَشَوَّه في عملِ مؤسسات القطاع الخاص مثل ما الحال في الأردن الذي تَنَشر في كل مكان منه جَمعيات ونقابات وغُرّف وتنظيمات تتغنى جميعها بالعمل لأجل أعضائها لدرجة أنني أشبهها بما يُسمى دكاكين القطاع الخاص.
هل يُعقل أن دولة مثل ألمانيا رابع أقوى اقتصاد في العالم لديها اِتِّحاد لِغُرَف التجارة والصناعة والزراعة، ونحن في الأردن لدينا عشرات الغُرَف والمؤسسات التي تُشكل كُلّ واحدة منها جُزراً مَعزولة عما يدور عن الشأن الاقتصاديّ.
هُنالك مثال واقعيّ حول غُرَف التجارة المُنتَشرة في كُلّ مُحافظات المملكة، بَعضُها عدد أعضاء مجلس إدارتها يساوي عدد أعضاء الهيئة العامة، وبَعضُها لا تستطيع الهيئة العامة دفع حتى اشتراكاتها، ومع ذلك فهي مؤسسات قائمة بذاتها ولديها قُدرة مؤسسية على مُخاطبة من تشاء بكتب رسميّة، وتُحدد طلباتها بمعزل عن القطاع التجاري، فبيدها رئيس وأعضاء مُنتخبين.
هذا الشَكل المؤسف للقطاع التجاري تَتَحمّل مسؤوليته الحُكومة كاملة، التي أفرزت في عام 2005، قانونا مؤقتا للغُرَف هو الأسوأ في تاريخ المملكة، والهدف هو تفرقة مؤسسات القطاع التجاريّ وإِضعاف إيصال صوته لراسم السياسة الاقتصاديّة، وتشتيت مطالب القطاع التجاريّ.
القانون الحاليّ لِغُرَف التجارة لمّ يَقتصر على تشتيت القطاع التجاريّ وحسب، بل ساهَمَ في إضعاف حتى مُمثليه، فالقانون جعل من أيّ مواطن أن يُصبح عضوا في الهيئة العامة لِغُرَف التجارة، وبالتالي الترشَّح لانتخاباتها ويصبح فيما بعد عضواً أو حتى رئيساً لغرفة ما.
القانون المؤقت الحاليّ لِغُرَف التجارة، سَمَحَ ومع كُلّ أسف لدخول أي شخص إلى الجِسم التجاري بِمُجرد انه قام بتسجيل شركة برأسمال 5 آلاف دينار واستئجاره لغرفة وبالتالي حصوله على رُخصة مِهن وتسجيله عضوا في احدى الغُرَف، وبالتالي التسلل إلى الجسم التجاريّ تحت تلك الشروط التبسيطيّة التي تضمنها القانون المؤقت، وبالتالي كُلّ مواطن أردني يستطيع بهذه الشروط الشكّلية أن يكون تاجرا بمفهوم القانون، حتى ولو كان مُعقب مُعاملات أو موظفا في سوبر ماركت أو غير ذلك، وهذا يؤدي في النهاية إلى نتيجتين:
الأولى: تَسَلَّل أناس غريبون عن الجسم التجاريّ إلى الهيئة العامة للغُرَف، مُستغلين حالة المشهد الاقتصاديّ العام المُتأزم في البلاد، والفوضى الفكريّة التي تُسيطر على عقول الشّارع العام الرافض لِكُلّ السياسات الاقتصاديّة الرسميّة.
ثانياً: تَسهيل سيطرت قوى مُتنفذة سواء داخليّة أم خارجيّة تمتلك المال على المشهد التجاريّ من خلال قُدرتها التنظيمية على اِختراق الجسم التجاريّ والانتخابات المُختلفة تحت شعارات مُختلفة وبتشكّيل قوائم انتخابيّة مُتعددة الأشكال، مُستغلة الضعف القانونيّ الواضح في شروط العضويّة التي تَسمح للكثير من المواطنين أن يُصبحوا تجار بين ليلة وضحاها.
من المؤسف جدا، أن القانون المؤقت لِغُرَف التجارة لم يُحصن الغُرَف من أيّة اختراقات، فالقانون جَعَلَ مفهوم المساواة كلمة يراد بها باطل، فالبنك العربي أكبر مؤسسة اقتصاديّة في المملكة لها صوت واحد فقط، مِثلها مثل أيّ مؤسسة تجاريّة وخدميّة بغض النظر عن رأسمالها.
اليوم الحُكومة مُطالبة ومن خلال مجلس النوّاب بإعادة الاعتبار للغُرَف التجاريّة وإزالة التشوهات الجسيمة التي أصابت الجسم التجاريّ، وقد سَمَعت الحُكومة وشاهدت الكثير من المُلاحظات في الآونة الأخيرة من تسجيل وهميّ للشركات التجاريّة في المُحافظات، وبالتالي اصبح هنُاك تأثير على الهيئة العامة في إيجاد تمثيل حقيقيّ لهم.
لجنة الاقتصاد والاستثمار في مجلس النوّاب والتي لعبت دوراً كبيراً في السنوات الأخيرة في المشهد الاقتصاديّ في البلاد من خلال ثورة التشريعات غير المَسبوقة التي أقرّتها واقتربت أكثر وأكثر من القطاع الخاص والتعرف على همومه، أمام تحدي كبير في إصلاح التشوهات الحاصلة في القانون المؤقت لِغُرَف التجارة، ومطالبة بتعزيز الإصلاح في القطاع بإيجاد مَرجعيّة واحدة له تُزيل تعدد المَرجعيّات وتوحد الجهود والموارد وبالتالي توحيد الخطاب والمطالب التجاريّة بِقانون عصريّ.
لجنة الاقتصاد في مجلس النوّاب مُطالبة اليوم بوضع قانون لِغُرف التجارة وإقراره مع الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات التالية:
1. القوة النسبيّة لِصوت المُنشأة الاقتصادية عضو الهيئة العامة والذي يجب التمييز بين الأعضاء بناءً على رأس المال العامل وتاريخه التجاريّ.
2. تعريف حقيقيّ وقانون للتاجر المُمارس والتاجر غير المُمارس، فلا يُعقل أن يكون مُعقب مُعاملات أو موظف في محلٍ تجاريّ أن يكون تاجراً لِمُجرد انه سجل شركة وهميّة لا تعمل، وفي كُلّ النقابات من يعمل يحق له التصويت، ومن لا يعمل أو ترك المُهمة يحوّل إلى قائمة غير المُمارسين وهذا تنظيم حقيقيّ وواقعيّ.
3. التمييز بين فئات المُرشحين لعضوية الغُرَف حسب قوتهم الاقتصاديّة ومنشآتهم، وهذا الأمر موجود في قانون نقابة المقاولين التي فيها تمييز بدرجات الشركات وتقسّم لها ضمن فئات أولى وثانية وثالثة، وهذا سينعكس تلقائيّاً على قوتها التصويتيّة.
4. تنظيف الهيئة العامة في الغُرَف من الشركات الوهميّة التي لا تعمل من سجلها، ويكون ذلك بمنع مفوضيها من التصويت إلا اذا كانت الشركة تعمل فعليّا ويكون التأكد من خلال براءة ضَريبيّة لأعمالها وإثبات من المؤسسة العامة للضمان الاجتماعيّ معاً، لحصر من يَحق له التصويت ألا يكون إلا مُمارسا فعليّا للعمل التجاريّ ليس ممن يملكون صفحة فيسبوك وينظر على الشّارع والحُكومة ويتسلق المَشهد مُستغلا الأوضاع الاقتصاديّة في البلاد.
التحديات التي تواجه القطاع الخاص ليست في قانون الضَريبة كما يتوهم البعض، وإنما هُناك تعقيدات كبيرة تتطلب من الجهات الرسميّة المَعنية إعادة توحيد مرجعيّات عمل القطاع الخاص وإزالة التشوهات الحاصلة فيه وتبويب هيئته العامة.
الدستور - الاحد 3=2=2019