اجتماع بلا جدول أعمال
انتھى اجتماع وزراء خارجیة الدول العربیة الست الذي استضافھ الأردن في البحر المیت الخمیس الماضي بالكثیر من الاھتمام الإعلامي الاقلیمي والعالمي، وبالقلیل من المعلومات حول ما دار في الاجتماع وما نتج عنھ، بل وبتناقض واضح في تقییم أھمیة الاجتماع وخلفیاتھ، بین ان الاجتماع ھو خلوة سیاسیة معمقة استعرضت أكثر من عشرین ملفا وخلصت إلى تفاھمات أولیة على قضایا حاسمة وحساسة، وبین تقدیرات اخرى أن الاجتماع كان مختصرا وعاما ولم ینطو على أكثر من حلقة تشاوریة جدیدة.
وصف الاجتماع رسمیا بأنھ بلا اجندة أو جدول أعمال، ما یشكل حالة جدیدة في الدبلوماسیة الاقلیمیة، فیما وصفتھ وسائل إعلام اقلیمیة بأنھ جاء في اعقاب زیارة وزیر الخارجیة الأمیركي مایك بومبیو للمنطقة، ودعا خلالھا قادة المنطقة إلى مغادرة حقبة الصراعات التقلیدیة والانتباه إلى الخرائط السیاسیة والصراعیة الجدیدة ویقصد التحالف حیال عدو جدید ھو إیران، وھذا الاتجاه یربط الاجتماع بالمؤتمر الذي سیعقد خلال اسابیع في وارسو لبحث التھدید الإیراني للعالم والمنطقة.
كیف نفھم ھذا الاجتماع في الأردن، وھل یلائم اجندة المصالح الأردنیة التي باتت تتبلور منذ بدایة ھذا العام، لا یمكننا فھم ھذا الاجتماع إلا انھ لا یعدو أكثر من حالة اصطفاف اقلیمي في نطاق متطلبات القوة العظمى المتمثلة بالولایات المتحدة، التي تعید صیاغة مصادر التھدید وقواعد الاشتباك الجدیدة.
الأردن في ھذا الصدد معني بالحلف العربي الجدید ولدیھ مصالح ھناك، ولیس صادما أن نقول مصالح الأردن ومصادر قلقھ ایضا ترتبط بدینمیات القوة العظمى في المنطقة أكثر بكثیر من أي ضغوط اقلیمیة عربیة. الأردن یرتبط بملفین أساسیین ھما التسویة السیاسیة وعودة سوریة إلى المجال العربي، فیما یتعلق بالقضیة الفلسطینیة لا یرید الأردن أن تستمر دول عربیة بالتطبیع المجاني مع إسرائیل بدون اثمان حقیقیة توضع على طاولة المفاوضات، بعد أن توصل الأردن الرسمي إلى قناعة أن ما یسمى ”صفقة القرن“ غیر موجودة ولا توجد لدى الولایات المتحدة استراتیجیة واضحة نحو التسویة السیاسیة، وكل ما یحدث الیوم ھو المزید من الاستخدام المفرط للملف الإیراني واعادة بناء خریطة مصادر التھدید نحو إیران وادخال إسرائیل في ھذا الاصطفاف، وھو ما یزید من تھمیش القضیة الفلسطینیة.
الجدید في الأمر الثاني، ان الأردن أصبح أكثر وضوحا فیما یتعلق بعودة سوریة إلى المجال العربي وعودتھا إلى الجامعة العربیة، ومن المتوقع ان الاجتماع قد ترك للدول الست حریة الحركة في ھذا الملف، وترك الباب مفتوحا أمام دعوة دمشق لمؤتمر القمة العربیة المنوي عقده في تونس الشھر القادم، بعد أن غابت سوریة عن الاجتماعات العربیة منذ 2011. الاطروحة السیاسیة الأردنیة ھذه الایام تقرأ وفق منطق ان المصالح الوطنیة الاستراتیجیة مع العراق وسوریة غیر قابلة للرھان مرة اخرى واننا على استعداد للذھاب مع دول الحلف العربي ولكن لیس على طول الخط، وفي الوقت الذي تذھبون فیھ الى وارسو للاصطفاف ضد إیران نحن نتقدم خطوات أكثر نحو دمشق وبغداد، وبالفعل أعلن الأردن الأسبوع الماضي تعیین قائم بالأعمال جدید برتبة مستشار في سفارة المملكة لدى سوریة، رغم أن الأردن من بین دول عربیة قلیلة لم تقطع علاقتھا مع دمشق طوال الازمة، كما أعلن رئیس مجلس النواب الأردني عاطف الطراونة أن الأردن دعا رئیس مجلس الشعب السوري حمودة صباغ إلى حضور أعمال مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي الذي سیعقد في عمان في آذار القادم.
الدبلوماسیة الأردنیة الجدیدة القائمة على اطروحة نذھب معكم ولكن لیس على طول الخط، قد تكون مجدیة وقد تساھم في خلق جدول أعمال جدید للمنطقة أبرز عناوینھ استعادة زخم المشرق العربي في التفاعلات الاقلیمیة باستعادة ادوار سوریة والعراق ما یعید بعض التوازن للسیاسة الاقلیمیة وھذا یشكل مصلحة وطنیة استراتیجیة على المدى الطویل.
الغد - السبت 2-2-2019