خواطر حول الحجاب الشرعي
إن نقصان الشعور بوجوب الاستسلام لله في أوامره ونواهيه ناتجٌ- في تقديري - عن عدم وضوح العلة أو الحكمة من الأمر أو النهي، وقد حالَ هذا بيننا وبين تطبيق كثير من الأحكام الشرعية..؛ لأننا كنا ندعو دوماً إلى وجوب التسليم لأوامر الله ونواهيه دون معرفة المقاصد أو الحِكَم أو العلل، بل كنا نعد من يسأل عن سبب الحكم شخصاً متطاولاً جريئاً على الله!!! مع أن الأحكام الشرعية كلها معللة، فمنها ما علمنا علته وحكمته ومنها مالم نعلم، وإن عدم علمنا بالعلة أو الحكمة لا يعني انتفاءها وعدم وجودها، بل إنما يعني ضرورة السعي في البحث عن العلل لبيانها للناس؛ لأن هذا الأمر هو ما سيجعل الناس متمسكين بدينهم مقتنعين به معتنقين له بعزة وقوة ورسوخ.. ولم يعد ينفع في زماننا أن ندعو إلى إيمانٍ كإيمان العجائز..
وهنا نطرح سؤالين خاصين بفريضة الحجاب:
- لماذا حيلَ بين كثير من الفتيات وبين الحجاب الشرعي؟؟
- لماذا نرى (بعض) المحجبات يعبرن عن التشكك بالحجاب تارة أو عن الرغبة بنزعه تارة أخرى؟؟
هذان السؤالان المذكوران هما نتيجة طبيعية لعدة أسباب هي:
1- تعامل المجتمع مع الحجاب من زاوية اجتماعية أكثر منها شرعية..
2- ربط المجتمع والخطاب الديني الوعظي للحجاب بقيمة الحياء؛ فالمحجبة مهذبة وغير المحجبة غير مهذبة، والمحجبة والدها رجل فاضل أما غير المحجبة فوالدها (ديّوث) وهي صيغة مبالغة من الفعل داث بمعنى فقد الغيرة والخجل، وهذا الربط غير صحيح وغير واقعي ويولد نزعة تحدٍّ عند الفتاة لهذا المجتمع الذي ينظر إليها على أنها منزوعة الحياء وينظر إلى والدها على أنه ديوث!!
3- ترهيب غير المحجبة من خلال الحديث عنها على أنها من أهل النار؛ وهذا يجعلها - ربما - تتشكك في عدل الله خاصة إن كانت هذه الفتاة غير محجبة لكنها مصلية صائمة محافظة على شعائر دينها، وفي الوقت نفسه هي تعترف أنها مقصرة في فريضة الحجاب.. فلمَ تيئيسها من رحمة الله؟؟!!
4- التوجيه السلبي نحو الحجاب من خلال سياسة الإكراه أو اللوم أو الإهانة أو السخرية؛ فالتوجيه نحو الحجاب بهذه الأساليب حتماً سيجعل الحجاب في نفس الفتاة مرتبطاً بالضغوطات النفسية التي قد تولد الانفجار وسيضيع حقيقة الحكمة من وراء الحجاب؛ لتأتي الفتيات بعد النشأة والعيش في مجتمع مسلم لتتساءل: من يقنعني بالحجاب؟؟!!
5- العقدة التي صنعها ( المجتمع) في تفضيل الذكر على الأنثى، حتى وصل الأمر إلى سؤال: لماذا فرض الحجاب علينا نحن الإناث ولم يفرض على الذكور؟؟
6- اتباع الهوى من خلال اعتقاد الفتاة أنها لا زالت صغيرة في السن، مع أنها إذا أرادت السفر أو السهر مع صديقاتها تبادر إلى إقناع والديها بالموافقة على ذلك من خلالها قولها بأنها لم تعد طفلة، ولكنها بالمقابل سرعان ما تستعيد طفولتها حين يتعلق الأمر بالحجاب..!!
هذه الأسباب الستة - وهي أسباب يجب أن تزول - كان لها دور رئيس في خفض نسبة الشعور بوجوب التسليم لله في أمره بالحجاب وفرضه على الفتيات.. كما أنها تسببت في إخفاء المقصد السامي من الحجاب وهو حماية الفتاة وصيانتها ممن في قلوبهم مرض..
تأمل..
قال تعالى: " يا أيها النبي (قُلْ) لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن.. ( بدأ الأمر للنبي- صلى الله عليه وسلم- وأهل بيته ليتحقق مفهوم القدوة ولتتطابق أفعاله- صلى الله عليه وسلم- مع أقواله.. ولكن لمَ كان هذا الأمر؟؟ وما الحكمة منه؟؟.. الجواب في الآية نفسها: " ذلك أدنى أن يعرفن (فلا يؤذين) "..
فهناك سببان كافيان للاعتقاد بأن الحجاب فرض هما:
- أن الله أمر به..
- وأن الله أمر به؛ ليحمي الفتاة ممن في قلوبهم مرض..
وإن أول من أُمر وطبق هو سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم- وأهل بيته من الأزواج والبنات..
والواقع يثبت أن الفتيات اللاتي يرتدين الحجاب (الشرعي)- وهنا لا أعني قطعة القماش التي تغطي الرأس مصحوبة باللباس الضيق ومساحيق التجميل - هن الأقل عرضةً للإيذاء ممن في قلوبهم مرض - كما وصفهم القرآن الكريم - " فيطمع الذي في قلبه مرض"..
نسأل الله أن يهدينا إلى سواء السبيل.. وإلى حسن الفهم وحسن العمل.. وإلى الحكمة في الدعوة والتربية.. وإلى أحسن الأخلاق..
السبيل - السبت 9-2-2019