من ينصف ضحايا الفساد؟
یستطیع الفاسدون أن یقلبوا الحقائق وأن یحولوا الأسود ابیض، وقد یخدعوا في لحظة الجمیع، ولن یتورعوا عن الحاق الضرر بكل من یقف في وجھھم وقد یعملوا على تشویھ ابریاء والاساءة لسمعتھم وكرامتھم، ولكن لن یستمر ذلك طوال الوقت، وفي ھذا الصدد تشیر لائحة الاتھام التي أعلنھا مدعي عام محكمة أمن الدولة في قضیة الدخان الى مجموعة لیست قلیلة من المواطنین الشرفاء الذین رفضوا الانصیاع لشریعة الفاسدین؛ أي اؤلئك الذین في طبعھم مناعة حقیقیة ضد الشبھات ورفضوا بشكل أو بآخر أن ینخرطوا في واحدة من اسوأ جرائم الفساد التي شھدتھا البلاد. تشمل ھذه المجموعة قوائم من موظفي دائرة الجمارك العامة والمناطق الحرة وربما من مؤسسات اخرى عدیدة وقع بحقھم ظلم أدى إلى إحالة بعضھم على التقاعد أو تھمیش بعضھم الآخر أو نقلھم تعسفیا إلى اماكن اخرى ما الحق الضرر بھم وباسرھم على مدى سنوات، علینا ان نتصور حجم عملیات التھریب وما كانت تنطوي علیھ من تحایل على القانون خلال سنوات طویلة في المقابل كیف عمل المتورطون في ھذه العملیة خلال ھذه السنوات على ازاحة عشرات من الشرفاء من طریقھم، وھم بالتالي ضحایا لھذا الفساد المنظم ما یتطلب بالفعل استعادة حقوقھم وانصافھم معنویا باعتبارھم نماذج للقدوة واستعادة حقوقھم الوظیفیة مما لحق بھم من اضرار. حان الوقت لتطویر تقالید اداریة واطر تشریعیة لانصاف ھذه الفئة ممن یدفعون ثمن نزاھتھم، ومن اؤلئك الذین یذھبون بین الاقدام حینما تحتدم المعارك الكبیرة في صراعات مراكز القوى التي لا تخلو من الفساد والافساد احیانا، ولن یتم ذلك دون قرارات جریئة ترسي تقالید وطنیة، تمثل الضمیر الوطني وتحمیھ، صحیح ان حالات لا تحصى من التھمیش الإداري أو التقاعد التعسفي واحیانا انھاء الخدمات یلحق بموظفي مؤسسات عامة وبشكل مستمر والكثیر من ھذه القضایا لا یمكن ان تراقب بمھنیة وموضوعیة والكثیر منھا لا یصل الى الرأي العام ولا یصل
ایضا الى القضاء، وكل ھذه الخلفیة تجعل من القوة الاخلاقیة للمجتمع ھي المرجعیة الاخیرة، وھذا بالطبع لا یكفي دون وجود تقالید اداریة ونماذج للقدوة تجعل الموظف العام اكثر ثقة بنظام العدالة الوطني وأكثر معرفة بالإجراءات والاطر الإداریة القادرة على حمایة حقوقھ وانصافھ حینما یحتل غبار الفساد الفضاء العام ویحجب الرؤیة. ینسحب ھذا الأمر على المبلغین عن قضایا الفساد الذین قد یطالھم الظلم والأعمال الكیدیة حینما تكون البنیة المؤسسیة في المؤسسات العامة ھشة وقادرة على التمویھ والتحایل والخلط بین الأعمال الكیدیة وأعمال الفساد الفعلیة ما یجعل مھمة الابلاغ عن الفساد مغامرة كبیرة محاطة بالاضرار التي قد تعصف بمستقبل من یجرؤ على القیام بھا. الأمر الذي لا یقل خطورة یبدو في تنامي الفساد الصغیر اي الرشوة تحدیدا، حیث ازداد الادراك الرسمي مؤخرا لتنامي ظاھرة الرشوة واستفحالھا في القطاع العام باشكال مختلفة، وھناك قصص لا تنتھي عن التعقیدات التي یضعھا موظفون في وجھ مصالح مواطنین في سبیل الحصول على رشوة، ویمتد ذلك من مؤسسات إلى جھات تنظیمیة وخدمیة وسلطات متعددة المستویات، في المقابل ھناك نماذج اخرى من موظفین یرفضون التعاطي مع شبكات الرشى ما یجعلھم عرضة للظلم الوظیفي وللتھمیش والأعمال الكیدیة. المھم في الأمر قدرة الادارة العامة للدولة على التعافي، ومؤشر ھذا التعافي یتمثل في القدرة على التصحیح الذاتي ومقاومة مصادر الفساد والاختلالات، أي ان یكون الجھاز العصبي للدولة على درجة من الیقظة وھذا ما افتقد في الكثیر من القطاعات والمؤسسات، لیس المطلوب من القیادات الإداریة ان تحارب في كل الاوقات، ولكن في مرحلة ما من تطور المجتمع والدولة في مرحلة من مواجھة الأزمات والفساد تحتاج الإدارة العامة الى مقاتلین في المقابل تحتاج ھذه الإدارات الى ارساء تقالید حقیقیة لانصاف ضحایا الفساد بل وتحویلھم إلى رموز ونماذج للقدوة.
الغد - السبت -9-2-2019