رئيس السلفادور.. الفلسطيني
كم هي بعيدة السلفادور عن فلسطين، وكم من فلسطيني ركب البحر حين جفت مياه الشرب وجاعت البطون واحتلت الارض، هاجروا الى بلاد الله الواسعة، هناك في الارض الجديدة، زرعوا وتاجروا وتعبوا وتعلموا وابدعوا، وأصبح منهم النائب والوزير و...الرئيس.
عن فوز نجيب أبو كيلة المعروف بالإسبانية باسم (ناييب بوكيلي)، الفلسطيني الأصل، بانتخابات الرئاسة في السلفادور مؤخراً أتحدث بغض النظر عن الجدل حول انتمائه وميوله وعلاقته مع اسرائيل.
فأجداده من جهة والده فلسطينيون مسيحيون من بيت لحم. واجداده من جهة والدته مسيحيون ايضا؛ هي كاثوليكية، وهو روم أرثوذوكس. والده اعتنق لاحقا الاسلام وأصبح إمام مسجد. ولدى زوجته اصول يهودية. كما تورد المصادر الاخبارية. غير أن المهم في أمر بوكيلي أو أبو كيلة – والكيلة هي الكأس الكبيرة من الالمنيوم ولها يد كانت تربط بيد زير الماء في الحوش – ليس هويته الدينية وانتماءه بل المهم عاملان : الاول ان اولوياته تحدي العصابات والاجرام في بلاده السلفادور التي تعتبر من اعلى دول العالم في الجريمة وليس تحرير بلد اجداده الا أن «الدم بيحن» كما يقول الفلسطينيون أنفسهم.. الثاني أنه كسر فرض هيمنة الحزبين على حكم السلفادور باعتباره اول رئيس من خارجهما وسادس رئيس للبلاد.
أما ما يهمنا نحن فهي جذوره العربية الفلسطينية؛ فهجرة الفلسطينيين من بلادهم تعود الي اواسط القرن التاسع عشر وخاصة من منطقة بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور ومن بعض المناطق الاخرى في فلسطين، حالهم حال كل بلاد الشام التي هرب منها عشرات الالاف من الشبان للخلاص من حالة التجنيد الاجباري التي كانت تفرضها الامبراطورية العثمانية عليهم والزج بهم في حروبها.
وقد أورد الكاتب الأردني يعقوب العودات المشهور بالبدوي الملثم في كتابه «الناطقون بالضاد في أمريكا الجنوبية» محاضرة للأديب اللبناني المهجري حبيب مسعود ألقاها في طرابلس لبنان عام 1948 م، حلل فيها ظاهرة الهجرة في كل بلاد الشام، ولعبت المجاعة بلبنان وسوريا وفلسطين دورا كبيرا في هجرة الكثير، حيث مات من جراء المجاعة 80 ألف نسمة، وانتشرت البطالة والجوع في بلاد الشام وصارت الهجرة والبحث عن الرزق سببا مباشرا لتزايد هذه الحركة. وبدورهم لعب التجار من أهالي بلاد الشام دور الرواد في هذه الحركة، وعندما أقيم معرض شيكاغو في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1851 شارك فيه تجار من فلسطين وسوريا ولبنان لعرض التحف الشرقية المصنوعة بالأراضي المقدسة، وانفتح أمامهم عالم الهجرة من أوسع أبوابه، خاصة مع تسهيل حالة السفر بحرا مع فتح قناة السويس عام 1869.
أما عن كيفية وصول هؤلاء المهاجرين الي امريكا الجنوبية فكانت الرحلة تبدأ من ميناء حيفا او ميناء بيروت او ميناء الاسكندرية عن طريق إحدى بواخر الشحن حتى أحد الموانىء الاوروبية، وغالبا ما كانت هذه جنوا في إيطاليا أو مرسيليا في فرنسا وبعدها ينتقل المسافر لسفن أكبر تتوجه إلي ريو دي جانيرو في البرازيل أو بيونس ايرس في الارجنتين وبعد ذلك كل يتوجه الى المدينة التي يقطن فيها اصدقاؤه او اقاربه عابرا جبال الانديز العالية على ظهر حصان أو بغل مدة أكثر من أسبوع حتى يصل لمدينة لوس انديز حيث يقيم اصدقاؤه او اقاربه.
بالنسبة للجالية الفلسطينية فهي تعد من اقدم الجاليات العربية في أمريكا اللاتينية، فأول عربي وصل الى البرازيل عام 1851 كان فلسطينياً من بيت لحم وهو القس حنا خليل مرقص كما هاجر اثنان آخران من آل زكريا، وفي عام 1904 هاجر جريس أنطوان أبو العراج وزوجته وأولاده إلى جواتيمالا، أما أول حالة وفاة لفلسطيني تم تسجيلها في أمريكا اللاتينية ومدونة في سجلات ديوان آل خوري في بيت لحم فيعود تاريخها الي 7/9/1796، وهاجر أيضا الفلسطينيون الى فنزويلا والمكسيك وبنما وهندوراس وكولومبيا والبيرو والسلفادور والاكوادور والارجنتين، أما عن هجرة الفلسطينيين لتشيلي فقد بدأت تقريبا في الفترة نفسها منتصف القرن التاسع عشر. وعام 1880 هو العام الذي وثق فيه رسميا دخول أول فلسطيني قادم من بيت لحم لتشيلي وهو جبرائيل دعيق ولحق به كل من يوسف جاسر من بيت لحم أيضا ويوسف جريس صلاح من منطقة القدس واشترك الثلاثة في مزاولة مهنة التجارة.
وقد وصل الكثير من المهاجرين الفلسطينيين الى مناصب ومراكز اجتماعية واقتصادية مرموقة في كثير من دول أمريكا الجنوبية، فمثلا كان أحد أبرز المرشحين لرئاسة تشيلي عام 1970 هو الفلسطيني الأصل رفائيل طارود (طراد).. وتولى الفلسطيني الاصل فرانسيسكو شهوان منصب نائب رئيس الجمهورية (2006 / 2010 ) هذا عدا الوزراء. كما أن10% من أعضاء مجلس الشيوخ حاليا في تشيلي هم من اصل فلسطيني و40% تقريبا من اقتصاد تشيلي يسيطر عليه التشيليون من أصل فلسطيني، كما وصل الفلسطيني انطونيو ساكا (السقا) الى رئاسة السلفادور(2004 / 2009) والفلسطيني البرتو ميغيل فاكوسيه (فقوسه) لمنصب رئيس هندوراس (1997 / 2003 )، كما وصل الفلسطيني سيمون جودي (عودة) لمنصب رئيس وزراء البيرو (2008- 2009) ووصل الفلسطيني عمر شحادة لمنصب النائب الثاني لرئيس البيرو ( 2011 / 2012 ) كما شغل الفلسطيني خورخي بريز لاراش أو جورج ابو العراج منصب وزير خارجية جواتيمالا (2004 /2006) كما شغل الفلسطيني جاسم سلامة رئاسة مقاطعة كولون البنمية (2002 /2004).
لا ننتظر من ابو كيلة تحرير فلسطين، فقد مضى عهد «الأبوات» وبتنا في عهد الخاوات والمفاوضات !
الدستور - الجمعة 15-2-2019