لا زال للحمرا سحرها
قبل حوالي عشرين سنة، كان يتكرر ذات الموقف كل ليلة السابع والعشرين من رمضان.
كان الازدحام سيد الموقف، كانت عشرات النسوة وربما المئات يفترشن الشوارع المؤدية إلى مكتب أحد وجهاء مدينة الزرقاء الذي كان مدمنا على المشاركة في كل انتخابات بلدية.
كان المكتب على طرف حي الغويرية الفقير، وكانت النسوة تحمل كل واحدة منهن دفتر عائلة لتستلم بموجبه «خمس نيرات» أي «ورقة حمرا».
في هذه الأيام باتت العبارة الأشهر على لسان الأردنيين هو أن «الليرة أو الخمسة أو حتى العشرة ما بتجيب شي»، «حتى الخمسين مجرد ما تفكها بتطير»، «بطل في بركة في المصاري»، «راحت قيمتها»، «وين أيام زمان كانت الخمسة خمسة».
أول من أمس انعكست الآية، وأصبحت «الورقة الحمرا» هي سيدة الموقف، ولم تستطع شوارع المدن الرئيسية استيعاب جماهير «الورقة الحمرا» الذين اصطفوا طوابير طويلة مغلقين الشوارع ليكسبوا «الورقة اللي ما بجيب شي» «اللي طارت بركتها» «اللي راحت قيمتها». والمفارقة أن ثمن «الورقة الحمرا» كان أربع «أوراق حمر»!!
الصدمة طالت الجميع، حتى أولئك الذي اصطفوا طوابير ساعات، من سلوك الأردنيين الذين اندفعوا بجنون ليكسبوا «خمس ليرات» مجانا، وأدلى كثيرون بدلائهم لتفسير هذه الظاهرة؛ فكثير منهم رأوها انعكاسا للوضع الاقتصادي المزري الذي وصل إليه الأردنيون حتى يتهافتوا بهذه الطريقة على «خمس ليرات»، وآخرون رأوها نوعا من الجشع والطمع، وآخرون رأوها نوعا من «اللي ببلاش كثّر منه»، وآخرون رأوها نوعا من السلوك الاستهلاكي الغبي، وآخرون رأوها نوعا من التقليد للجمعة السوداء في أمريكا حيث انتشرت مئات الفيدوهات سابقا لانتظار الأمريكيين ليلة كاملة على الأرصفة لحين افتتاح المحال والاستفادة من تخفيضات الجمعة السوداء.
مهما يكن فقد اكتشفنا أن «الورقة الحمرا» لا زالت تحتفظ بسحرها!! هل يمكن أن تقبلها الشقيقات أو الزوجات عيدية؟!! وهل يمكن أن تقبلها العرائس والعرسان نقوطا؟!!
اسألوا الشركة التي ابتدعت أسلوب التسويق الذي «هَبَلَ» الأردنيين أول أمس.
السبيل - الخميس 13-2-2019