الشرعيات الوطنية في مواجهة التغيرات الدولية والإقليمية
يتعرّض العالم كله إلى جملة من التغيرات الدولية الكبيرة التي تطال الأقاليم والدول والحدود والشعوب والأنظمة والعلاقات المتعددة فيما بينها، وإعادة بناء التحالفات من جديد بناءً على التوازنات الجديدة بين القوى الدولية والإقليمية نتيجة الاختلالات الطارئة على موازين القوى ونتيجة تطور طرق الإدارة والتدخل السريع من جهة الدول الكبرى، وكذلك نتيجة التطور الهائل في عالم التسلح، واختراع منظومات دفاعية وهجومية متطورة جداً وتملك قدرة هائلة على التأثير في حالة الخصم عن بعد دون حاجة لنقل القوات والمعدات كما كان يحدث سابقاً .
كل الدول تحاول قراءة المشهد العالمي المتغير، وترصد أثر ذلك على الأقاليم والمناطق الساخنة، وتحاول جاهدة مسابقة الزمن في امتلاك القدرة على التكيف مع الأوضاع الجديدة، وما يتطلبه ذلك من إعداد وتدريب وتغيير في الأدوات وطرق الإدارة، وامتلاك القدرة على امتلاك أوراق القوة المطلوبة، والقدرة على إدارتها بنجاح وفاعلية، وبناء التحالفات الجديدة التي تحقق مصلحة شعوبها وتضمن استقرار دولها ومؤسساتها، وتقلل حجم الخسائر المترتب على هذه التغيرات الحتمية التي تعصف بالعالم.
الدول العربية مازالت تمثل الساحة العالمية الأكثر تغيراً والأكثر حرارة، والأكثر صراعاً وتنافساً بين القوى الدولية والقوى الإقليمية، وما زالت محلاً للأطماع الدولية والإقليمية بشراهة.
ويعود حجم التنافس الدولي الإقليمي على الساحة العربية إلى مجموعة من العوامل والأسباب، تتمثل بغياب المشروع السياسي العربي، وغياب التنسيق الفاعل والجاد بين الدول العربية وضعف الجامعة العربية، والاختلاف الكبير بين الدول العربية في الرؤية السياسية، في أطر التحالفات وصياغة المواقف العربية إزاء القضايا الكبرى.
وفي مواجهة هذه التغيرات الكبيرة ينبغي على الزعماء العرب وعلى القوى السياسية كافة وكذلك على الشعوب الالتفات إلى ما يلي:
أولاً: التحول الفوري نحو الديمقراطية، وإعطاء الشعوب حقها في الاختيار الحر النزيه القائم على الإرادة الشعبية المطلقة في اختيار حكامها وحكوماتها، وتمكينها القدرة على المحاسبة والرقابة الفاعلة.
ثانياً: الارتكاز على مبدأ الشرعيات الوطنية التي تستند اليها الحكومات المشكلة، والحيلولة دون استيراد الشرعيات من قوى وجهات خارجية، ودون الاستناد إلى القوة والعصا الغليظة في تمكين الاستقرار السياسي.
ثالثاً: العمل على بلورة مشروع سياسي عربي يضمن توحيد الصف العربي على المصلحة العربية العليا، ورؤية سياسية موحدة إزاء المواقف السياسية الدولية والإقليمية.
رابعاً: وقف النزاع العربي بكل أشكاله وإيجاد آلية لمعالجة الاختلافات العربية دون تدخل أجنبي.
خامساً: الشروع في تشكيل سوق عربية مشتركة تضمن التكامل الاقتصادي والسير المتدرج في تشكيل القوة الاقتصادية العربية.
الدستور - الثلاثاء 19-2-2019