السعر والقيمة والمعادلة المقلوبة

تم نشره الإثنين 25 شباط / فبراير 2019 01:02 صباحاً
السعر والقيمة والمعادلة المقلوبة
عمر كلاب

و سألت اي مواطن عن سعر سلعة لكانت اجابته قريبة من الحقيقة او الحقيقة ذاتها، فنحن مغرمون بمعرفة سعر الاشياء, حتى بات التسليع ثقافة سائدة وسلوكا محميا بالاعراف والقوانين, فحتى النشرة التعريفية التي تصدرها الجهات الرسمية تعتمد السعر للسلع, في حين ان ثقافة الاعتماد على الذات وسلوكيتها تتطلب معرفة قيمة الاشياء وليس سعرها, فالاسعار ليست دائما تكشف قيمة الاشياء, فكل شيء عند حاجته ترتفع قيمته اضعاف سعره, فكمشة الملح ربما يكون سعرها منخفضا لكن قيمتها عالية وقد تفسد مائدة كلفتها السعرية عالية جدا لذلك لا يفسد الملح لأن اهميته في قيمته وليس في سعره.
منذ انكسار اشعة القيمة على سطح السعر والتسعير, بحكم تسليع الانسان ومكانته داخل منظومة الحياة الرسمية والاجتماعية, تراجعت المنظومة الاخلاقية والضوابط الذاتية ونكاد نرى انهيارا هائلا على كل المستويات, فقيمة الانسان تراجعت وبات سلعة قابلة للتثمين, فنحن نحسب اسعار الزواج من الفرقة الى الصالة الى التلبيسة الى باقي العملية الحسابية ولا نضع ادنى قيمة لمفهوم الاسرة والارتباط فكثرت ظاهرة الطلاق بالتوازي مع ظاهرة العنوسة عند الجنسين, ونتعامل مع معظم تفاصيل حياتنا من خلال السعر وليس القيمة حتى في الانتخابات النيابية حيث ترتفع اسعار الصوت وتنخفض قيمة الناخب, ويغادر النائب قاعدته الانتخابية بعد اعلان النتائج ولا يعود اليها الا في الانتخابات المقبلة.
اليوم لا يحفل معظم صنّاع القرار بالرأي العام, فهم مجرد ارقام قابلة للتسعير ولا قيمة لهم في صناعة القرار, حيث يسهل شراء الصوت وشراء الذمم الا لمن يعترف بقيمته الانسانية اولا وآخرا, وهذا كان سائدا طوال عقود مضت قبل شيوع الاستهلاك والتشييء اي تحويل الانسان الى شيء او مجرد كائن يسير على قدمين.
طالما ان الاختلال موجود بين السعر والقيمة, فإن كل محاولات الاصلاح تبدو ضربا من الخيال, فالعلاقة بين المواطن والوطن ليست علاقة سعرية كما هي الحال اليوم, بل هي علاقة قيمية, محكومة بالقيمة وليس بالسعر, وما نشهده اليوم في شوارعنا وحاراتنا ومدننا ومخيماتنا واريافنا هو تعبير عن المعادلة المقلوبة, حيث السعر يفوق القيمة ويصبح تقييم الانسان محكوما بسعره من خلال سلسلة مفاتيح, تبدا من سعر مفتاح السيارة ومفتاح الفيلا او الشقة ومفتاح القاصة الى آخر المفاتيح في سلسلته, ويفقد قيمته تماما عند اختلال المفاتيح في السلسلة, او تراجع سعره الوظيفي ورتبته الوظيفية فالجالس على المقعد يحظى بكثير توقير مقابل المتقاعد .
اعادة الاعتبار لمفهوم القيمة على حساب السعر هو الخطوة الاولى لانجاح اي مجتمع ولإعلاء قيمة الاعتماد على الذات, فكلما زاد اكتفاؤك زادت قيمتك والاعتمادية على الذات تتطلب انتاج ثقافة القيمة من الصف الاول الابتدائي الى اخر السلم, وتعميق ثقافة التعلم على حساب التعليم والتشغيل على التوظيف واحترام الانسان كقيمة بشرية وليس كدافع ضرائب, فنحن الآن نقوم بتسعير المواطن حسب ضرائبه وليس حسب قيمته, فتعمقّت ظاهرة مراكز القوى وسطوة اصحاب المال على اصحاب القول ودون تعديل المعادلة لن نحقق النجاح المأمول .

الدستور - الاثنين 25-2-2019



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات