موجات التغيير والفوضى
يكثر الحديث عن موجة تغيير قادمة في العالم العربي تعصف في كل شيء، فهل هي موجة تغيير حقيقية ام انها فوضى عارمة تعصف بقوة بالمنطقة العربية؟ هل تتوافر فيها اسباب التغيير ام ان اسباب الفوضى طاغية وغالبة كامنة في العجز وانتفاء اسباب الاستقرار وغياب الرؤية؟
تتباين الرؤى بحسب زاوية النظر والامنيات المرتبطة بها؛ تباين يقدم دليلا اضافيا على غياب الرؤية والقدرة على التأثير المرتبط بالعجز عن صناعة الواقع او المستقبل واحداث التغيير الذي يراوح مكانه ليتحول الى موجات غضب تعصف بالمنطقة بين الفينة والاخرى.
شاعت الاحاديث عن التغيير مؤخرا على وقع الاحتجاجات في السودان والجزائر؛ ظنا من المتفائلين والمتشائمين ان هناك حدثا كبيرا اخذ في التبلور غير ان الواقع والمؤشرات تؤكد ان ما يحدث هو مجرد انعكاس لواقع متشكل وموجود منذ زمن طويل قوامه العجز عن التغيير وانتفاء اسباب الاستقرار او القدرة على تحقيقه في الآن ذاته ليزيد من موجات الغضب قوة وعنفوانا في بعض الاحيان مهددا بفوضى كبيرة تكسر حاجز الصمت والجمود المفضي إلى مزيد من التدهور في كافة شؤون الحياة.
في ذات المربع تقبع مصر اذ تخرج بين الفينة والاخرى تحذيرات من مسؤولين أمنيين سابقين وحاليين في الكيان الاسرائيلي تحذر من تدهور الاوضاع الاقتصادية والسياسية في مصر ومن كسر حاجز الخوف عند المواطن المصري تجاه السلطة القائمة، ليقدم مزيداً من المؤشرات على امكانية حدوث تغيرات كبيرة في المنطقة، الا انها ايضا تقع في ذات السياق وهي حالة عدم الاستقرار وانتفاء شروطه يقابله العجز عن التغيير وانعدام الرؤية القابلة لأن تتحول الى فوضى.
المرحلة الانتقالية التي تعيشها المنطقة العربية لا تقتصر على دولة بعينها اذ شهدت المملكة المغربية احتجاجات عرفت باحتجاجات الريف سبقها حادثة «بائع السمك»، وفي منطقة الخليج العربي تتكاثر الازمات كالفطر لتنعكس على الواقع الاقتصادي لهذه الدولة فجلها يعيش حالة انتقالية بين زمنين وبين جيلين وبين ازمتين لا تكاد تنتهي احداهما حتى تنتقل الى اخرى في سعي متواصل للوصول الى استقرار مفقود وغائب عن المشهد وعجز عن التغيير.
يمتد هذا المشهد ليشمل الاقليم بأكمله؛ اذ يواجه ازمات وتقلبات في سوريا والعراق، وتقبع القوى الاقليمية والدولية بمواردها الكبيرة حائرة تخشى على مكاسبها وفي ذات الوقت قلقة من قدرتها على ادارة أي فوضى مقبلة في ظل موارد آخذة في التآكل ومبعثرة ومشتتة في عالم تعصف به الصراعات والازمات.
العلاقة مع ايران والصراع العربي الصهيوني على ارض فلسطين وازمات الخليج المتشعبة كلها تقدم مؤشرات على محدودية القدرة على ادارة الازمات والفوضى الناجمة عن ذلك؛ اذ لم يحدث ان اجتمع هذا القدر الكبير من الازمات في آن واحد وفي زمن يمتاز بفقدان اللاعب الدولي المهيمن؛ فالقوى الدولية تواجه المزيد من الازمات وتعاني من تراجع في مواردها السياسية والاقتصادية؛ فأمريكا والصين وروسيا تعيش نفس الظاهرة.
في العالم العربي لسنا مقبلين على عاصفة بل نعيش فيها اصلا، قوامها انتفاء اسباب الاستقرار والعجز عن التغيير في الوقت ذاته، والاهم غياب الرؤية والمرجعية؛ اذ تعيش المنطقة حالة من انعدام اليقين؛ فلا يوجد استقرار حتى في ظل اشد الانظمة العربية قوة من ناحية امنية او اقتصادية؛ فكلها تعيش حالة انتقالية في منزلة بين المنزلتين.
انعدام الرؤية هو السمة الاساسية التي تدفع البعض للاعتقاد اننا مقبلون على تغير وفي الحقيقة ان المنطقة العربية تعاصر عملية هدم متواصلة يقابله عجز عن وقف حالة التدهور والهدم او البناء؛ حالة لم تنته ولم تتوقف حتى اللحظة تنتفي فيها اسباب الاستقرار والقدرة على التغير، وتتوافر على اسباب الغضب والاحتجاج، فيها قوى اقليمية ودولية قادرة على ادارة المشهد ولكنها باتت تعاني من تراجع في مواردها وقدراتها السياسية والامنية والاقتصادية.
ختاماً.. فإن فقدان اسباب الاستقرار والعجز عن التغير وفقدان الرؤية تعد مصدر الشعور الخادع بأن المنطقة مقبلة على تغير كبير وهي في الواقع تعاصر فوضى لم تنته فصولها بعد، وفرصة الانتقال فيها من حالة عدم الاستقرار الى الاستقرار ضئيلة جدا وتحتاج الى زمن ليس بالقصير؛ فالوعي بعنصر الزمن هو ما يميز بين اصحاب الرؤى وبين مثيري الفوضى ومكرسي حالة اللااستقرار في العالم العربي فأغلبهم يعيشون في مرحلة انتقالية يخشون الخروج منها نحو المجهول الذي صنعوه.
السبيل - الاثنين 25-2-2019