المرأة : قمر أم عورة..؟!
تختلف قضايا المرأة في عالمنا العربي والاسلامي عنها في المجتمعات الاخرى، فهي تتعلق بأشكاليات لها خصوصياتها، وبأسئلة تطرح على صعيد الدور لا الوجود في المجتمعات والثقافات الاخرى ما زال سؤال وجود المرأة معلقا: تصوروا. وعلى صعيد العدالة والانصاف لا الحرية، وهي - ايضا - مرتبطة بأزمة المجتمع والانسان وليست مستقلة عنهما، فمهادها اجتماعي اولا، ووظيفي في الدرجة الثانية، وغير متصل بالنصوص والثوابت التي منحت المرأة - كما الرجل - ما يلزمها من حقوق ومسؤوليات في اطار التكريم الالهي للانسان، ذكرا كان او انثى وانما بمدى فهمنا وممارستنا لها في الواقع.
بعد عصر الراشدين، تعرضت المرأة لانماط عديدة من الفهومات والوقائع التي ابتعدت بشكل او بآخر عن مقاصد الدين واحكامه، واختزال دور المرأة - بدافع الخوف منها او الخوف عليها - في اطر ضيقة دفعتها الى الانعزال عن مجتمعها، والانسحاب من مسؤولياتها، وتحت دعوات مواجهة التغريب والغلاة الذين ارادوا تحرير المرأة من الاسلام، بدلا عن تحريرها من خلاله، اصبح خطابنا الاسلامي مثقلا بكثير من المحاذير والاحتياطات التي قدمت حماية للمرأة والحفاظ عليها على استنهاض طاقاتها وهممها، او تمكينها من العمل والمشاركة بفعالية.
وقد يبدو السؤال حول اذا ما كان ثمة قضية للمرأة في مجتمعاتنا ام انها مجرد اجندة قد صدرت الينا من غير تربتنا، او فيما اذا كانت مشكلة المرأة معزولة عن مشكلات المجتمع والرجل تحديدا، مجالا لنقاشات طويلة، لكن علينا ان نعترف بان المرأة في مجتمعاتنا تعاني من الظلم والاضطهاد، وبان اختلافه بين دولنا هو اختلاف في الدرجة لا في النوع، كما ان خطابنا الاسلامي والاجتماعي ما زال مشدودا الى المراسيم والتقاليد التي لا علاقة لها بالدين، ومثقلا بفهومات فكرية وفقهية تجاوزها الزمن، وهي بحاجة الى المراجعة فعلا.
في القرآن الكريم ثمة سورة تقدم نموذجا حضاريا للمرأة المسلمة دعك من عشرات النماذج الراقية التي تتضمنها السور الاخرى وهي سورة المجادلة التي تتحدث عن امرأة تحاور الرسول صلى الله عليه وسلم، ويسمعها الله عز وجل، ثم يجيب عن سؤالها وشكواها، وفي ذلك ما يكفي للرد على كل ما يصلنا عن دور المرأة وحدود حريتها ومكانتها في الاسلام، سواء من خلال دعوات التحرر الوافدة او الاخرى المتشددة، او حتى من اجتهادات فقهائنا الذين ما زالوا ينظرون الى المرأة كعورة او كقمر لكي لا اقول كجرم مظلم لا بد ان يدور في فلك الرجل.
غياب المعالجات الحقيقية لقضايا المرأة في مجتمعاتنا سواء على الصعيد الفقهي او الاجتماعي او السياسي، انتهى به الى خيارات عديدة حاولت من خلالها ان تملأ فراغ البديل : فهي اما انها تحولت الى مستهلكة تطارد اخر الموضات والصرعات ولا تجد المتعة الا في التسوق واجراء العمليات التجميلية، واما اصبحت اسيرة لفضائيات الشعوذة والمسلسلات المزيفة، ودعوات التجهيل، المرأة الثرية اختارت الاستهلاك والمرأة الفقيرة لم تجد امامها سوى الهروب الى الجهل والمجهول.. وبينهما وجدت بعض النخب النسوية - على اختلافها - مادة للتداول والنقاش، فيما الحل يبدو سهلا وواضحا: اطلاق سراح عقل المرأة اولا تجادل وتناقش وتشارك كما كانت تفعل ذلك في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، دون الخوف عليها او منها، ودون البحث عن المرجعيات الاخرى عن اي حقوق تنقصها.. وهذا اضعف الايمان.
الدستور - الجمعة 15-3-2019