تحولات خطرة في مسار الإرهاب
هل تشكل العملية الارهابية ضد المصلين المسلمين في نيوزلاندا تحولا في مسار الارهاب العالمي ام انها مجرد عملية فردية معزولة عن سياقات هذا المسار الذي ظل مرتبطا وفق التصور الغربي - على الاقل - بالاسلام والمسلمين فقط ؟.
الاجابة بالطبع، نعم، فهذه العملية الارهابية ( لاعتبارات سأذكرها ) تعكس مثل هذا التحول او - ان شئت الدقة - تؤسس لمرحلة جديدة لها ما بعدها. اما لماذا؟ فلأنها - اولا - تحمل دمغة جديدة مصدرها غربي بامتياز، وهي بمثابة اشهار عن اطلاق مارثون الارهاب بتوقيع الرجل الابيض ، صحيح ان للغرب جذورا ممتدة في هذا السياق لكن الجديد ان السولفات السياسي الذي كان يتغطى به سابقا قد سقط تماما.
الاعتبار الثاني هو ان هذه العملية مدبرة من قبل خلية اشخاص، لا نعرف عددهم حتى الان، لكن منفذها ترك لنا مرجعية يمكن ان نستند اليها لفهم ما فعله، وهذه الوثيقة المرجعية (74 صفحة) ليست مجرد سرديات تاريخية تفسر وتكشف فقط، وانما تفتح امامنا نافذة استدعاء التاريخ المفخخ كخلفية لرؤية الفعل في الحاضر وفي المستقبل ايضا.
اما الاعتبار الثالث فهو ان ما حدث لا يمكن ان يكون معزولا عن سياقات دولية واقليمية تتغذى عليها العمليات الارهابية، لا اتحدث هنا عن معادلة السياسة كما عكسها خطاب ترامب واليمين المتطرف المتصاعد في اوروبا، وانما عن سياقات فكرية وثقافية واجتماعية اسست على مدى العقود الماضية لمفاهيم الكراهية والعنصرية ضد الاسلام، ابتداء من اسلاموفوبيا الى اسلاموكوست ( حرق مشاعر المسلمين وقتلهم ) وصولا الى مواجهة المد والغزو الاسلامي الذي يمثله المهاجرون للغرب وقبل ذلك الفكرة والثقافة الاسلامية العابرة للحدود والقارات، باعتبارهما مصدر تهديد للغرب ولاحقا للشرق ( الصين مثلا).
الاعتبار الرابع يتعلق «بمكر» التاريخ، حيث تتبادل فيه الامم والشعوب احيانا انتكاساتها الحضارية، هذه التي تفرز الارهاب كعنوان لسلوكها، واعتقد هنا ان الحادثة الاجرامية بما تمثله من تيار عريض في الغرب يتعاطف معها تشير الى بداية انحسار للحضارة الغربية، هذا الانحسار لا يعكسه فقط انزياح في منظومة القيم الحضارية التي اتسمت بها هذه الحضارة مثل غيرها من الحضارات ابان ازدهارها، وانما يعكسه السلوك الانساني الذي اعلن افلاسه من بوابة الارهاب بهذه النسخة الحيوانية المثيرة للاشمئزاز.
يبقى الاعتبار الخامس ، وهو ان هدف العملية يتجاوز قتل المصلين وحرق مشاعر المسلمين الى اشعال فتيل الحروب الدينية في العالم واشعال الصراع بين اتباعها، وهذا الهدف ينسجم مع رؤية تحملها تيارات معادية للاديان وللحضارات محسوبة على الغرب المتصهين. وربما يكون الانتقام من الاسلام والمسلمين هو الشرارة الاولى، لكن نيران هذا الانتقام المفخخ باحداث التاريخ والجغرافيا والسياسة ستمتد بلا شك وبقصد ايضا الى العالم كله، وذلك لسبب بسيط وهو ان لدى الطرفين ما يلزم من «مجانين» لفتح الطريق امام الانسانية للوصول الى محطة «الجحيم» التي سيحترق فيها الجميع.
الدستور - الاحد 17-3-2019