الغوغاء وتجفيف منابع الإرهاب
مرأة كندية مسنة ترافق جارتها المسلمة وتوصلها الى المسجد لتقف الى جانبها لحين انهائها الصلاة وتناشد جارتها بأن لا تخاف، وان لا تتوقف عن ممارسة شعائر دينها تبكي بحرقة على ما حدث في نيوزيلندا.
إنها مواقف انسانية تستحق التقدير والاحترام وهي تتكرر في اماكن عدة من العالم الغربي ومن المعيب انكارها فالإرهاب الابيض مرتبط بيمين متطرف لن يمتنع عن قتل مواطنيه البيض ان خالفوه الرأي.
فخلال العام الماضي كشف عن مجموعة من المتآمرين في الاجهزة الامنية الالمانية (المخابرات الالمانية) جعلت من المستشارة الالمانية ميركل الهدف المخطط لقتلة الى جانب قائمة من السياسيين والاعلاميين في المانيا.
المجرم الارهابي في نيوزيلندا تحدث عن رغبته بقتل ميركل الى جانب اردوغان وهناك ساسة واعلاميون على قائمة الاغتيال لدي اليمين المتطرف؛ فالإرهابي الاسترالي اشاد بمرتكب مجزرة الدنمارك التي راح ضحيتها 77 من الاطفال والمراهقين من مواطنيه لأنهم فقط يخالفونه الرأي وينتمون الى احد الاحزاب الاشتراكية؛ فالإرهاب الابيض لا يفرق بين مواطنيه والمهاجرين او المسلمين اذا خالفوه الرأي.
المواقف الانسانية كثيرة ونجد تجلى واضحا لها في موقف رئيسة الوزراء النيوزيلندية التي زارت المسجد بغطاء الرأس تعبيرا عن التضامن والاحترام لشعائر المسلمين وديانتهم. التعاطف كبير ويحمل ابعادا إنسانية يجب ان تعزز وان لا تشوه بردود فعل غوغائية تتهم كل من في الغرب بأنه معاد او منساق لهذا الفكر المتطرف العنصري.
المحاسبة والتركيز يجب ان ينصب على وسائل الاعلام والقيادات الاعلامية والمؤسسات والدوائر الغربية التي تمارس التحريض بالدعوة الى ملاحقتها قانونيا وتجريمها الى جانب الساسة وقادة الرأي والتنظيمات والاحزاب اليمينية الارهابية المتطرفة، وهم كثر اذ تضم قائمة من المسؤولين وكبار الساسة في الغرب.
نجد في الولايات المتحدة الامريكية دونالد ترمب الذي يواجه معارضة ونقدا يوميا على ممارساته وتحريضه المستمر على المهاجرين؛ تحريض تركز خلال الايام القليلة الماضية على النائبة في الكونغرس الامريكي الهام عمر؛ فهي هدف بالنسبة لليمين الامريكي ومن الممكن ان تتعرض للأذى بسبب التحريض المتواصل من ترمب ومن معه من زمرة متطرفة.
فالتحريض من كبار الساسة بهذا المعنى يمثل قوة الدفع الحقيقية لليمين في امريكا لم يقتصر تأثيره على امريكا اذ امتد الى فرنسا؛ فالمسؤولون الفرنسيون استاؤوا من تواصل ترمب واعضاء ادارته باليمين الفرنسي عشية الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، كما استاءت اوروبا بأكملها من محاولات ترمب فرض أجندته اليمينية على القارة الاوروبية اكثر من مرة وفي عدد لا يحصى من الملفات.
الحملة على الفكر المتطرف تشمل الكيان الاسرائيلي الذي يشيع ثقافة الخوف من الاسلام والتحريض، اذ اصبح المسلمون هدفا سهلا ومقبولا، غير ان هذه الاستراتيجية لم تمنع اليمين المتطرف من استهداف اماكن العبادة لليهود في امريكا بحجة مساعدة المهاجرين والمسلمين في امريكا، تقابلها مقاومة داخل المجتمعات الغربية لهذا الفكر المتطرف كان آخرها ايقاف الكثير من الجامعات الامريكية التعاون مع نظيرتها في الكيان الاسرائيلي لتنضم الى حركة المقاطعة (BDS) فمكافحة التطرف والاحتلال وكل مظاهر الاجرام ظاهرة وفطرة انسانية لا زالت تقابل بمعيقات ومقولات تخنق حرية التعبير.
سطوة اليمين وصعوده المرعب في الغرب الى جانب ثقافة التحريض التي يمارسها الكيان الاسرائيلي لحشد الطاقات لتمرير ممارساته وشرعتنها وشرعنة تطرفه واظهارها كرد فعل او دفاع عن النفس؛ لم تمنع قطاعا مهما من الغربيين من التعبير عن رفضهم لهذا التطرف وتلك المبررات.
فالاحتجاج والرفض للإرهاب الابيض تعزز في الساعات القليلة الماضية ومثل صحوة حقيقية يجب ان لا تكون مؤقتة او انفعالية سريعة نجد ارهاصاتها لدى شاب مراهق ابيض في استراليا عبر عن استيائه بقذف بيضة على النائب الاسترالي «فريسر انيننغ» احتجاجا على تصريحاته، غير ان مقاومة التطرف والتعبير عنها الموجودة لدى المجتمعات الغربية لا تحظى بالرعاية ولا تمثل استراتيجية عمل وتواجه جهودا حقيقية من بعض القوى لقمعها من خلال قوانين تمنعها من التعبير وتجريمها وارعابها او حتى استهدافها، تارة بحجة انها معادية للسامية، وتارة اخرى بحجة انها يسارية متطرفة او ساذجة، في حين ان دوافعها انسانية قيمية وعفوية.
لا شك ان الجهود التي بذلها المتطرفون ورموزهم السياسية والاعلامية والمعززة بممارسات الكيان الاسرائيلي لعبت دورا مهما في تخليق بيئة من القبول للعنف الممارس ضد المسلمين في ظل غياب العقلاء واصحاب القيم الانسانية الرفيعة؛ مسألة تتطلب صحوة مستدامة؛ فعزل الظاهرة وكشف تداعياتها الخطيرة على المجتمعات الغربية بات مطلبا لتجفيف منابع التطرف والارهاب الابيض وعدم اخلاء الساحة للمتطرفين الذين يتسللون الى كافة الهيئات والمؤسسات في الغرب ليتولوا ارفع المناصب.
الهجوم على المسجدين في «كرايستشيرش» كشف بشاعة كبيرة، غير انه وفر فرصة وقوة دفع وصحوة محركة للقوى المجتمعية الرافضة للتطرف والتي تعاني من محاولات العزل وعمليات القمع التي يمارسها الاعلام وبعض الساسة في الدوائر الغربية؛ صحوة لا يجوز ان تشوه بردود فعل غوغائية تظهر بين حين وآخر على السوشال ميديا لتحرف المواجهة عن مسارها الصحيح.
ختاما.. المعركة مع التطرف والارهاب «الابيض» لا تكون بالتحريض واغفال الجوانب الانسانية او إطلاق العنان للغوغاء بل بالتركيز على رموز التطرف والمحرضين وكبح جماحهم في الغرب، وتوضيح الصورة الحقيقية للمجتمعات المسلمة التي لا تختلف في مواقفها ومعاناتها من الارهاب والتطرف عن المواقف التي عبر عنها جمهور واسع في الغرب بفطرة انسانية سليمة.
السبيل - السبت 16-3-2019