صِناعتنا. عزوتُنا
كنت مَحظوظا قبل يومين بزيارةِ عددٍ من المصانع الكُبرى في مَدينة القسطل الصناعيّة، برفقة رئيس غرفة صناعة الأردن وعدد من الصناعيين والمُستثمرين، وكانت المُفاجأة بالنسبة لي لِما شاهدته من حالةٍ تُعيد الأمل والروح الإيجابيّة لِقصص نجاح لا يعلم بها الشارع ولا حتى المسؤول نفسه مع كُلّ أسف.
شاهدت التوسِعة الرابعة لِمصنع فيلادلفيا للطاقة الشمسيّة أحد المصانع الرائدة في المنطقة لِصناعة ألواح الطاقة الشمسيّة بأحدث التقنيات التكنولوجيّة العالميّة، ونستطيع القول أن القيمة المُضافة لهذا المصنع تَكاد تكون من أعلى القيم لما لها من مردود إيجابيّ كبير على الاقتصاد الوطنيّ، فالمصنع الذي يشغل ما يقارب 400 موظف أردنيّ يتعلمون مهارات صناعيّة تكنولوجيّة ذات مستوى كبير من المهنيّة والحِرفيّة عالية التقنية والجودة، فمنتجات تُصنع بأيادي أردنيّة بحتة، تمتلك المعرفة والقدرة على الإبداع، في المقابل يحظون بأعلى مستويات الأجور وامتيازات وعلاوات في القطاع.
انتقلنا بعد ذلك إلى مصنع جوردينا للصناعات الغذائّية، -شيء يُحير العقل- هو عبارة عن مُجمع متكامل للصناعات الغذائيّة يعمل به أكثر من 800 عامل جميعهم أردنيين من كُلّ المُحافظات، يُصدّرون لـ22 دولة، في حين أن أهم أسواقهم هي: أمريكا ولندن وباريس، واستثمار إجمالي يتجاوز 100 مليون دينار.
طبعا هناك في مدينة القسطل الصناعيّة أكثر من 225 مصانعا كبيرا ومتوسطا بحجم استثمار يفوق المليار دينار، وصادرات تتجاوز 1.5 مليار دينار، ويعمل بها حوالي 30 ألف موظف وعامل أردنيّ، وهو تجمع صناعيّ ذو قيمة مُضافة عالية على الاقتصاد الوطنيّ.
هذا يقودنا إلى الحديث بإيجابيّة عن قصصٍ للنجاح الصناعيّ التي شاهدناها في مدينة القسطل والتي لا يعرفها المُجتمع ولم يسمع بها، وهذا أيضا يقع عاتقه على المُستثمرين أنفسهم الذين لا يعرفون بنجاحاتهم للشارع، إلا انهم معذورين، فهم منشغلون، بالعمل والتطوير وفتح الأسواق اكثر من مناكفة الحكومات ومتابعة القضايا الإجرائيّة.
سمعنا عددا من المشاكل التي يعاني منها القطاع الصناعيّ في القسطل، وفي اعتقادي أنها أي تلك المشاكل منتشرة في جميع التجمعات الصناعيّة بلا استثناء وليس في القسطل لوحدها، وللأسف غالبية مِشاكلها إجرائيّة وتعقيدات إداريّة لا أكثر.
في اعتقادي أن واجب الحكومة هو النظر بعين القيمة المُضافة لكُلّ منشأة صناعيّة على حدة، ودراسة احتياجاتها وتحدياتها بناء على تلك القيمة، وبعد ذلك أخذ القرار المناسب والسريع دون تردد، وقد يتساءل البعض لماذا يخص القطاع الصناعيّ بهذا الاقتراح دون غيره؟
الإجابة بسيطة وتعلمها الحكومة جيداً، فالقطاع الصناعيّ يُشغّل 250 الف عامل غالبيتهم من الأردنيين، يعملون في أكثر من 18 ألف مُنشأة صِناعيّة، يُشكّلون ما يقارب 21 بالمئة من القوى العاملة في المملكة، وتزداد هذه النسبة لتصل إلى 28 بالمئة من مجموع القوى العاملة في القطاع الخاص، ويتقاضون أكثر من 1.5 مليار دينار كأجور وتعويضات، يُعيلون خُمس سكان المملكة.
التمييز في المعاملة للقطاع الصناعيّ مَطلوبة وضرورية، لأنه من اكثر القطاعات المولدّة لفرص العمل، ويتفوق على العديد من القطاعات الأخرى، نظرا لكون كلفتها في القطاع الصناعيّ أقل من مثيلاته في القطاعات الأخرى، فضلا من أن متوسط عدد العمال في المنشأة الصناعيّة الواحدة يبلغ 13 عاملا، مُقارنة مع 2.3 عاملا في القطاعات الأخرى، وبالتالي يتصف القطاع الصناعيّ بقدرته العاليّة على استحداث فرص العمل، فضلا عن انه يساهم بخلق فرص عمل غير مباشرة نتيجة ترابطاته مع العديد من القطاعات الاقتصاديّة، ابرزها: النقل والتجارة والإنشاءات والماليّة وغيره.
نعم، على الحكومة مُعاملة تفضيليّة للصناعات الوطنيّة، وتشكيل خلية عمل سريعة لإيجاد الحلول المُباشرة للتحديات التي نستطيع أن نحصرها جميعا بارتفاع تكاليف الإنتاج خاصة الطاقة، وضعف المخرجات التعليميّة للقطاع الصناعيّ، وتزايد المشاكل الإداريّة مع المؤسسات الاقتصاديّة الرسميّة خاصة في ما يتعلق بتفسير القوانين والأنظمة وغيرها من القضايا والتحدّيات التي تعصف بالقطاع وتحتاج إلى حلولٍ سريعة، فصناعتنا عزوتنا، وحمايتها ودعمها وأجب وطنيّ، وضرورة اقتصاديّة داعمة لأيّة إصلاحات اقتصاديّة تعزز التنميّة المُستدامة.
الدستور - الجمعة 22-3-2019