مسيرات العودة في عامها الثاني
تلقى الكيان الاسرائيلي العديد من التحذيرات من فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة لردعه عن استهدف مسيرات العودة لـ»يوم الارض»؛ تحذيرات تعامل معها الكيان الاسرائيلي بجدية بعد ان قصفت تل ابيب مرتين خلال اقل من عشرة ايام، دافعا الكيان الاسرائيلي نحو تقديرات تؤكد امكانية انزلاق المشهد الى مواجهة واسعة تبدد اوهامه المتعلقة بقدرته على فرض رؤيته ومنطقه السياسي والميداني المدعوم من الادارة الامريكية؛ فإطلاق الصواريخ على تل ابيب ليست حدثا عابرا او هامشيا؛ اذ تمثل عمق الكيان ورمز كرامته وقوته الامنية والسياسية والاقتصادية.
من الصعب الجزم بطبيعة ميزان القوى الآخذ في التخلق والمعادلة الجديدة التي تشكلت في اعقاب اطلاق مسيرات العودة، الا انها ادخلت الكيان الاسرائيلي في نفق مظلم لن يخفف من ظلمته سوى رفع الحصار عن قطاع غزة واعادة تقييم سياساته المتبعة في الضفة الغربية؛ فمسيرات العودة باتت فعلا ميدانيا ومدخلا سياسيا مهما في تحديد مسار الاحداث وتطوراتها في فلسطين المحتلة، وهي مدعمة بقدرات عسكرية وبيئة اقليمية ودولية متوترة.
المسيرات لن تتوقف عند حدود احياء ذكرى يوم الارض او النكبة ونقل السفارة الامريكية الى القدس؛ اذ يسير بالتوازي معها حراك الاسرى في السجون وتوتر كبير ناجم عن تسريبات صفقة القرن وموعد اعلانها؛ فالأجواء ستبقى ساخنة ومهيأة للأسوأ، مبددة اوهامه المتعلقة بصفقة القرن والتطبيع المقرون بالسلام الاقتصادي؛ فالمسيرات سارت بالتوازي مع هذه المسارات وباتت نقيضا لها مهددة بشكل اساسي هذه الانجازات ومغزاها السياسي والاقليمي.
النفق لا تقتصر محطاته على احتمالات التصعيد الميداني في فلسطين؛ فالبيئة الاقليمية المحيطة بالكيان مهيأة لتصعيد في الجولان بعد الهدية المسمومة التي قدمها ترمب لنتنياهو؛ فاحتمالية شن هجوم صاروخي على المستوطنات في الجولان ستكون كبيرة خصوصا في اليوم المعلن لانتخابات الكنيست؛ اذ سيعاني فيها الكيان من شبه شلل سياسي، تفتح الباب لاحتمالية شن هجمات ضد الكيان تذكر بالملف المتجدد.
يقابل هذه التطورات عجز الكيان الاسرائيلي عن تحديد آلية فعالة لردع خصومه، كما ان امريكا ومن وراءها من المطبعين لا يملكون كبير تأثير في المشهد الميداني المتطور، وفاعليتهم باتت محدودة لتقديم يد العون والمساعدة للكيان الاسرائيلي في ظل الظروف التي يعيشها حلفاء الكيان واصدقاؤه الافتراضيون.
الاستنجاد بالحلفاء المقربين لن يجدي نفعا في المرحلة المقبلة، فهناك تراكم كبير في الغضب سيجد طريقه الى كل الجبهات ومن ضمنها الضفة الغربية التي تتعرض لضغوط كبيرة بتأثير من صعود اليمين الاسرائيلي، والمناسبات لن تقتصر على النكبة ويوم الارض وضم الجولان بل من الممكن ان تمتد ايضا الى الاعلان عن صفقة القرن التي ستحول الضفة الغربية الى ميدان جديد للمواجهة.
رسم الكيان بعنجهيته وغروره مسارا طويلا من التصعيد ليتحول الى محط الاهتمام في المنطقة بعد انشغالها بالصراعات الاقليمية والبينية ليعود التركيز على الصراع العربي الصهيوني الذي تتقاطع فيه كل خطوط التماس المتفجرة، والاهم من ذلك انه واصل سياساته التصعيدية ولم يتعاط بواقعية مع التغيرات الميدانية التي من ابرزها مسيرات العودة وصواريخ المقاومة والتوتر والاحتقان الكبير في الضفة الغربية.
المناوشات والتهديد بحرب واسعة ستظل هاجسا كبيرا للكيان الاسرائيلي، وسيكون من الصعب على للكيان المضي بسياساته لضم الضفة او محاصرة غزة دون ان يدشن حقبة جديدة يصعب الخروج منها منتصرا، ليبقى الخيار الامثل رفع الحصار والتراجع عن السياسات الاستيطانية في الضفة والقدس والاكتفاء باحتفاليات تطبيعية في صالات مغلقة رياضية او ثقافية تواسيه عن احباطه الكبير ليسوقها كإنجازات للحقبة الترمبية.
السبيل - السبت 30-3-2019