لماذا سلم بوتين رفاة الجندي لاسرائيل ؟
أثار تسليم روسيا رفاة العسكري الاسرائيلي زخاريا بومل يوم الأربعاء الماضي تساؤلات جدية حول التنسيق السري الذي يجري بين نتنياهو وبين بوتين ، فالأول بات يزور موسكو أكثر من أي عاصمة أخرى ، والثاني ما انفك ينسق مع الأول بكل ما يتعلق بسوريا والمنطقة ، وبدا عربون ذلك - روسياً - في العام 2016 عندما أعاد بوتين الدبابة التي قتل فيها الجندي المذكور وهو برتبة رقيب.
روسيا ، لم تعد تلك الدولة اليسارية العقدية الممانعة والشيوعية والمنافحة عن ايدلوجيا خاصة تقتسم بها العالم مع القوى الرأسمالية الغربية ، بل هي دولة رأسمالية أخرى من ضمن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة عدا ميزة عضويتها بمجلس الأمن التي حصلت عليها في ظرف تاريخي حينما تم توزيع مقاعد المجلس الدائمة على الدول المنتصرة في الحرب الثانية ، وهي دولة لا تزال نامية بمقياس الدخل القومي والإنفاق العام ، أي أن الروس اليوم لا يمتازون بتكنولوجيا مدنية مشهود لها ، بل ، فقط ، بتكنولوجيا السلاح الذي ركزوا عليه بسبب ما ورثوه عن الاتحاد السوفيتي ، فباتوا قوة عسكرية ضاربة ليس إلا .
قلنا ، إنه وفي العام 2016 سلم بوتين لإسرائيل هيكل الدبابة الإسرائيلية التي قتل فيها هذا الجندي مع اثنين آخرين من زملائه ، بعد أن تم نقلها الى موسكو لدراستها قبل 36 عاما ، واليوم يعيد بوتين رفاة أحد جنود هذه الدبابة القتلى ، وإذا فهمنا أننا نعيش لحظات انتخابية اسرائيلية تحسب بالكلمة وبالثانية ، فإن خطوة بوتين في اعادة الدبابة قبل حوالي ثلاثة أعوام ، واليوم إعادة الجندي ، تكشف بأن الروس يفضلون نتنياهو رئيسا للوزراء ،جريا على عادتهم في تشجيع اليمين ، بل إن وسائل الاعلام الاسرائيلة بدأت تتحدث عن تقدم نتيناهو في الاستطلاعات عقب اعادة رفاة الجندي، وهذه الخطوة ليست مجرد صدفة في توقيتها وغاياتها .
وإذا فهمنا بأن نتنياهو غير معني بأي شيء إلا بابتلاع الاقصى والمزيد من الارض العربية والفلسطينية ، وإذا أدركنا بأن صفقة القرن تم الانتهاء من إعدادها بخرائطها وتنتظر الاعلان بعد الانتخابات ( سيتم اعلانها في ذكرى النكبة امعانا في اذلال العرب ) إذا كان ذلك كذلك ، فإننا ندرك حجم النفاق الذي يمارسه العالم في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وغيرها وفي عموم السياسة الدولية .
ولا يستغربن القارئ عندما يعلم بأن إعلان ترامب الموافقة على ضم الجولان جاء بعد البيان الروسي الاسرائيلي المشترك بشأن قضايا سوريا والمنطقة عقب اسقاط الطائرة الروسية في ايلول الماضي ، أي أن الروس ، قد يوافقون - سرا - على ضم الجولان المحتل لاسرائيل وعلى غيره من ملفات ،مقابل تنفيذ الكيان العبري ما يخدم أهداف موسكو في سوريا ، ومن بينها بالطبع الوجود الايراني ، وهو هدف روسي غير معلن حتى الآن ، وفي نفس الوقت ، وفي ما يشبه الأحجية ، فإن روسيا قد تبحث عن صيغة تهدئة بين طهران وتل ابيب ، وهو أمر غير مستبعد إذا فهمنا طبيعة الصراع الايراني الاسرائيلي على حقيقته ،وهذا كله في ظل وجود قواعد امريكية في سوريا قد يساعد نتنياهو على اغلاقها وانسحاب الامريكان منها كما يأمل بوتين ( لنتذكر كيف ابطل اللوبي الصهيوني قرار ترامب سحب القوات من سوريا ) وكما يبدو المشهد ، فإن هناك سعيا روسيا الى تحقيق معادلة : سوريا خالية من الامريكان، مقابل سوريا خالية من ايران .
أما كل هذا الذي يجري فإن تسأل نفسك : ما هذا السحر الاسرائيلي السامري ؟؟
يسقط نتنياهو قبل ستة شهور طائرة " أيل 20 " الروسية ويقتل 58 عسكريا روسيا فيرسل له بوتين رفاة جندي قتل قبل 36 عاما .
ألم يقل القرآن العظيم : " ولتعلن علوا كبيرا "..( الإسراء 4 ) .
بلى ، ولكن علينا أن لا ننسى تتمة الآيات .
د.فطين البداد