الهروب من الألم
كما يتحايل الطبيب على الطفل كي لا يشعر بألم الإبرة، أنا بتّ أتحايل على نفسي أيضاَ.. وأعرف أن ما أقوم به مجرّد خداع ساذج وأن هذا الهروب هو مخدّر مؤقت لا أكثر..لكن لا بدّ من إطفاء «ماتورات المخّ» قليلاً لتخفيض حرارته وصيانته وتزييت مضخّاته ومسنناته ليعمل من جديد.. مثلاً وضعت أمامي أمس كومة من الورق الذي لا لزوم له حيث كنت «أدحشه» في المكتبة أو أخفيه بين الرفوف، وبدأت فرز المهمّ من غير المهم من عديم الأهمية واكتشفت أنني كنت احتفظ بوصل من مركز صحي منذ 2008 وثمة نماذج طبية مستهلكة منذ عشر سنوات وبعض قسائم السحب من البنك و«كروت عرس» لم احضرها لكني أعتقد أن ابن «العريس» دخل في الصف العاشر هذه السنة حسب تقديري... من وسائل الهروب من الألم أنني زرعت كزبرة ورشاد «قنّار بصل» في أول المشاتي وما زلت أحوم حولها كل صباح أراقب الطول «الملميتري» الذي حصل لكل «قنّارة» ولكل عِرق كزبرة، وأضع علامات بين الأحواض من باب إضاعة الوقت لا أكثر أصلاً أنا لا أحب البصل وغير مغرم بزراعته.. لكنني أحاول الهروب من كل «تروبينات الإحباط».. كما صرت اهتمّ بالدجاجات أكثر، أطوف بين عشب الدار بحثاً عن بيضة منسية هنا او بيضة جاءت على عجل هناك.. أحاول تعكير صفوة الديك في خلوته مع احدى دجاجاته فقط من باب التنكيد، كان بإمكاني غض البصر والمضي في طريقي لكني آثرت
التخريب عليهما و«كحشهما» بيدي... في جولتي «الحاكورية» رأيت قطاً ينام تحت الرمانة في أجواء ربيعية ممتازة..تناولت حجراً وضربته فاضطر للهرولة والقفز من خلف السياج.. هو لم يقترف ذنباً ونومته تلك لا تؤذي شجرة الرمّان ولا تؤذيني... لكنني أحاول تعكير صفو كل الكائنات ليصبحوا مثلي يعانون من مزاج معكر واحباط من التغيير.. أحاول الهروب من كل الأخبار المحبطة وتصريحات الشخصيات المشمئزة والضحك على اللحى، وضيق الأفق العام وغياب الوعي الشعبي والنفاق الذي بلغ أوجه وطاف عن حدوده.. والمصير المجهول.. كل هذا يجعلني انتقم من الكائنات المسالمة.. ** في لعبة كرة القدم الفائز هو من يحاول أن يضيع الوقت حتى يحافظ على النتيجة.. إحنا خسرانين 6 -صفر ونضيع الوقت ايضاَ..
الراي - الاحد 7-4-2019