حرب نفسية في ثنايا صفقة القرن
صحيح ان هناك مؤامرة امريكية اسرائيلية، هي الاخطر في تاريخ الصراع الفلسطيني والعربي الاسرائيلي، تستهدف القضية الفلسطينية بكل تفاصيلها، ارضا وشعبا، وكذلك الاراضي العربية المحتلة، لكن الترويج لهذه المؤامرة التي صيغت تحت عنوان صفقة القرن وتضخيمها بهذا الشكل، ورفع منسوب مخاطرها الى هذا الحد، وتصويرها على انها قدر وقع وانتهى على الشعب الفلسطيني والاردن ومصر، وهي الجهات الثلاث المعنية مباشرة والمستهدفة بهذه المؤامرة، والتلويح بالاعلان عنها بتواريخ مختلفة، والتلميح الى مضمونها من خلال تسريبات واجراءات حصلت على الارض، واخرى بانتظار ان تحصل، كل ذلك يندرج في اطار الحرب النفسية اولا، بهدف ترويض الشعوب العربية والدفع بها الى زوايا الاحباط واليأس، ويترافق ذلك مع تحقيق اهداف رسمها الاحتلال مسبقا، لكنها اقل من التوقعات التي تصورها مؤامرة صفقة القرن، حتى تكون تلك وقع تلك الاهداف مقبولا لدى الشعب الفلسطيني والشعوب العربية وتكون ردات الفعل عليها ضعيف جدا، ولا تتجاوز حاجز «الحمدلله اجت على هيك».
الادارة الامريكية والكيان المحتل يدركان جيدا ومقتنعان تماما، بأن الشعب الفلسطيني لن يغادر وطنه الا جثثا محملة الى القبور، وفي فلسطين التاريخية حوالي سبعة ملايين فلسطيني، من سيجبرهم على الرحيل الى سيناء او الى اي مكان آخر، ويدركان ايضا، ان الاردن ملكا وحكومة وشعبا لن يشارك في اي مشروع تحت اي مسمى، لا يلبي الحقوق الفلسطينية المتمثلة باقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وان مصر شعبا ونظاما لا تقبل منح فلسطين للاحتلال الصهيوني وان تخسر نصف سيناء كذلك، وتكون الخسارة مضاعفة وان تنقل الى حضنها بؤر تفجر وصراعات ونزاعات سوف تفرّخ نقاط تفجير عديدة مستقبلا.
كل هذا الضجيج الذي يترافق مع الحديث عن صفقة القرن الذي يفتعله الاحتلال والادارة الامريكية، ربما يهدف على الاقل في المراحل الاولى الى ضم الكتل الاستيطانية الضخمة في القدس والضفة الغربية الى الكيان المحتل، يتبع ذلك ضم مناطق (ج) التي تقع تحت السيطرة الاسرائيلية امنيا واداريا وتمثل حوالي 60% من مساحة الضفة الغربية، ومن ثم التفاوض على شكل من اشكال الحكم الذاتي للسكان الفلسطينيين، كما يخطط الاحتلال.
لماذا لا تقام الدولة الفلسطينية داخل فلسطين التاريخية، ولماذا لا يرحل الاحتلال بدلا من ترحيل اصحاب الارض الشرعيين، وهل تتنازل الامة العربية التي قبلت بوجود دولة يهودية في فلسطين، عن كامل فلسطين لليهود، رغم كل التعقيدات الموجودة حاليا بسبب الاحتلال الذي لا يفهم الا منطق القوة، فان امكانية حل الصراع كما هو الآن، اسهل بكثير من حله بعد اسقاط صفقة القرن على المنطقة، لان الجميع سيدخلون معها في دوامة العنف وصراع الاستنزاف الذي لا ينتهي ولن يتوقف. كل هذا الضجيج الذي تنثره صفقة القرن، ويملأ الفضاء توقعات وتأويلات وتخوفات، سوف يتكسر على صخرة الموقف الاردني المصري الفلسطيني المشترك، الرافض للصفقة وكل ما يتصل بها، والمسنود بغطاء عربي صلب.
الدستور - الثلاثاء 9-4-2019