إعادة إعمار سورية والعراق
تعارض المواقف السياسية وتعارض المصالح الاقتصادية الدولية والاقليمية يعطل بشكل لافت إعادة إعمار العراق وسورية، والثابت ان هذا التعطيل يأتي استكمالا للعدوان الغربي على العراق منذ العام 2003، حيث انتقل الى مرحلة اكثر ضراوة من العدوان في العام 2014، وعملية القضاء على «داعش الارهابي» رافقته تدمير مدن ومرافق مهمة في العراق، وبصورة اصعب وبأدوات مماثلة تداخل فيها القريب والغريب، الا ان إلحاق هزيمة ميدانية لمعسكر تحالف الشر في سورية لم يقنع ذلك المعسكر الذي يواصل دوره إبطاء عملية إعادة الاعمار بإغراق العراقيين والسوريين بمشاكل اقتصادية ومعيشية، وهذا بدا واضحا في قرارات تعطيل التجارة والاستثمار مع سورية، وممارسة انتقائية بغيضة في التعامل مع قضايا العراق المالية والاستثمارية، ووجهت رأس قاطرة الشر المالي والاقتصادي لإغراق العراق بقروض مؤسسات التمويل الدولية.
العراق الذي يمتلك ثاني اكبر مخزون نفطي وغاز مؤكد واغنى واطول نهرين ( دجلة والفرات ) في المنطقة يفترض ان لا يطلب مساعدة صندوق النقد والبنك الدوليين، وإنما توظيف إيراداته المالية والبشرية في إعادة البناء والاعمار، وربما النظر الى ما حصل في رواندا قبل ربع قرن عندما تم قتل نحو 800 الف في مجازر عبثية همجية، واليوم اصبحت نموذجا في افريقيا والعالم في التعايش والتسامح والبناء والاعمار، ولا نبالغ إذا قلنا انها أصبحت أفضل مقصد سياحي في افريقيا، وهذه التجربة غنية بالدروس والعبر عندما يمتلك الانسان إرادته ويدير شؤونه بهدف إسعاد نفسه ومن حوله.
دول وشعوب كالعراق وسورية لديهما قدرة حقيقية في تجاوز الاحقاد والتركيز على المستقبل والنظر الى الشعوب العربية من حولهم يقصر المسافة الزمنية للنهوض والبناء، فالواضح ان ما حصل بعد الحرب العالمية الثانية بطرح مشروع مارشال لإعادة إعمار اوروبا واليابان لن يتكرر في القرن الواحد والعشرين، فالرأسمالية المعاصرة اكثر توحشا وأقل إنسانية بالرغم من الحديث عن الحرية والديمقراطية، فالقنابل النووية التي أمطرت فيها امريكا اليابان فعلته مجددا في العراق ومناطق اخرى، فالقنابل التي دكت فيها القوات الصهيوامريكية مدنا عراقية وسورية يفوق ما عانت منه هيروشيما ونجازاكي، وما يعاني منه مواليد عراقيون جدد في الفلوجة وبغداد يؤكد ذلك.
أما اقتراحات مهمة طرحت مؤخرا بإطلاق صندوق او مصرف عربي لإعادة إعمار سورية والعراق لن يكتب لها النجاح في ظل النظام السياسي العربي المنقسم على نفسه، لذلك العامل الذاتي وحده القادر على إحداث نقلة نوعية، وربما تكون البداية بطيئة ويقينا سرعان ما تتعاظم وتكتسب سرعة الانجاز المطلوب، عندها سنجد الساعين لعمل مثمر ينضمون الى مسيرة البناء.
الدستور - الثلاثاء 9-4-2019