هل ينجح الجيش السوداني في إخراج البلاد من أزمتها؟
من الصعب رسم خارطة واضحة لتطورات الأحداث في السودان والمآلات الممكنة لها؛ غير ان المشهد خطير جدا؛ فالسودان يعاني من ازمة اقتصادية خانقة قوامه مديونية تقدر قيمتها بـ 51 مليار دولار تشكل المتأخرات منها ما يقدر بـ 30 مليار دولار أي 61% من قيمة المديونية بحسب محافظ البنك المركزي السوداني «حسين جنقول»؛ منها 8 مليارات مستحقة للبنك الدولي؛ في حين تبلغ قيمة التضخم ما يقارب الـ 70% اما عجز الحساب الجاري فيبلغ 4 مليارات و700 مليون دولار.
المفاجأة الكبرى حجم الاحتياطات النقدية اذ تقدر بمليار ونصف المليار دولار فقط؛ واقع اقتصادي عبر عنه بالإعلان عن ورقة نقدية جديدة (1000 جنيه) للتعامل مع التضخم وملحقاته؛ ازمة يرجعها خبراء الى العقوبات الامريكية وخسارة 70% من الموارد النفطية بعد انفصال جنوب السودان الى جانب تراجع قيمة صادرات السودان وعلى رأسها الذهب.
الازمة لم تكن وليدة يوم او شهر من الاضطرابات؛ وجل المناورات التي مارستها السلطة السياسية مرتبطة اشد الارتباط بهذه الازمة التي افضت الى مشاركة واسعة في التحالف العربي لدعم الشرعية في السودان على امل توفير موارد للدولة والحفاظ على تماسك المؤسسة العسكرية.
الجيش السوداني بات احد الموارد المهمة لتوفير العملة الصعبة وباتت المشاركة في حرب اليمن وسيلة غير ناجعة لتخفيف الاثار الناجمة عن العقوبات الامريكية والدعوات الدولية لمحاكمة الرئيس البشير؛ الا انها لم تنعكس مباشرة على الواقع الاقتصادي المتدهور.
في المقابل فإن الجهود والنشاطات السياسية والعقود الاقتصادية لم تأت بمردود سريع للدولة؛ ولا يتوقع لها ذلك خلال العامين القادمين؛ فالعقود ومشاريع البنية التحتية تدخل ضمن اطار تطوير الموانئ والبنية التحتية والمشاركة في حرب اليمن لم توقف حالة التراجع الاقتصادي رغم الوعود الاقتصادية والدعم السعودي للسودان لإخراجه من دائرة العقوبات الامريكية؛ والنشاط السياسي الاقليمي للبشير على مختلف الجبهات الاقليمية لم يفض الى وقف حالة التدهور المتجذرة في الاقتصاد وبنية الدولة.
فالسودان ونظامه السياسي عاني من ثلاثية الازمة الاقتصادية والعقوبات والجنائية الدولية التي تستهدف رموز النظام السياسي؛ واخيرا حرب اليمن وتبعاتها السياسية والاقليمية؛ ولم يتمكن من وقف عجلة حراك الشارع لضعف الموارد الاقتصادية ومحدودية الموارد السياسية المتأثرة بالعقوبات والازمات الاقليمية المحيطة.
مشهد انعكس في تحركات السلطة السياسية التي نشطت في عدد واسع من الجبهات روسيا تركيا وقطر والامارات والسعودية والصين؛ وغيرها الا انها لم تتجاوز الازمة او تعالجها وتحد من مخاطرها؛ فتسارعت الاحداث وسارت بالتوازي مع تطورات المشهد في الجزائر اذ باتت عملية التمديد لرؤساء الجمهورية خط التماس الاول للمواجهة مع الشارع السوداني؛ ازمة فجرها فقدان (الدقيق- القمح والطحين) لتتحول الى احتجاجات واسعة بمقولات سياسية واضحة.
السؤال المتولد عن هذا العرض السريع: هل ينجح الجيش السوداني في تجاوز الازمة المركبة والشديدة التعقيد؟ هل يتمكن من صد التدخلات الخارجية والحفاظ على تماسك المؤسسة العسكرية؟ هل ينجح في معالجة الازمة الاقتصادية؟ هل سيتمكن من احتواء احتجاجات الشارع؟
بعيد الاعلان عن الاطاحة بالبشير تسارعت الاحداث ليتنحى نائبه رئيس المجلس العسكري (اللجنة الامنية المشكلة حديثا) الجنرال «عوض بن عوف» فتعيينه ترافق مع ارتباك في الجيش ومؤسساته؛ والاهم من ذلك رفض الشارع وارتباطه بأحداث دارفور بشكل واضح وهي الثلاثية ذاتها المشار لها سابقا.
جاء تعين الفريق «عبد الفتاح برهان» رئيسا للمجلس الانتقالي لتدارك الاحداث واحتواء الازمة من جديد؛ بعد ان رفعه البشير الى رتبة فريق اول في شباط الماضي؛ معززا دوره العسكري خصوصا انه مشرف على القوات السودانية في اليمن؛ تعيين اعتبر محاولة لاستيعاب واحتواء الازمة من جديد والاهم الحفاظ على تماسك الجيش؛ محاولة تواصلت باستقالة صلاح قوش مدير الاستخبارات السوداني؛ فالسودان رغم المحاولات التي يبذلها الجيش للحراك الداخلي الا انها لا زالت تواجه تعثرا؛ خصوصا في ظل تعالي الاصوات بضرورة تسليم السلطة لمدنيين والتي من ابرزها قائد قوات التدخل السريع «محمد دقلو».
دعوات يسعى الفريق برهان للتعاطي معها بالحوار مع القوى المدنية على رأسها الاحزاب السياسية كالبعث والقومي والشيوعي والمؤتمر في حين لم تظهر بعد القوى الممثلة في حراك الشارع على رادار السلطة وعلى رأسها «تجمع المهنيين السودانيين» و»تحالف اعلان الحرية والتغير»؛ لتفضي الحوارات الاولية الى تشكيل حكومة مدنية ستتعاطى مع ازمة خانقة ومجتمع دولي يملك الكثير من الشروط.
السودان لا زال يضع خطواته الاولى للخروج من الازمة واي خلل في هذه الخطوات ستقود حتما الى فوضى عارمة وكبيرة وتفسخ كبير في مكوناته ومؤسساته ومنها العسكرية؛ فالبلاد منفتحة على الاجندة الخارجية والتدخلات الدولية والاقليمية؛ فالنخبة العسكرية تتعرض لضغوط اقليمية ودولية بتأثير من ارث طويل في دارفور وغيره؛ وبتأثير من الازمة اليمنية التي ستتجاذبها النخبة العسكرية والقوى الاقليمية على الارجح؛ وبتأثير من العقوبات الامريكية والازمة الاقتصادية المحلية؛ تطورات قادت مجلس الامن الى الدعوة لجلسة خاصة لمناقشة تطورات الاحداث في السودان بما يمثله من مؤشر خطير على تدخل دولي واقليمي واسع.
السودان يعيش اضعف حالاته الآن؛ مهيئا لكافة السيناريوهات ومنفتحا على تجاذبات كبيرة في الاقليم وضغوط دولية متصاعدة؛ فهل ينجح الجيش والقوى المدنية في السودان من تخطي هذه المرحلة الصعبة خصوصا ان هناك بعض المتفائلين بإمكانية تجاوز الازمة الاقتصادية في ظل التغيرات الكبيرة الحاصلة؛ وفي ظل الواقع الاقتصادي الذي يسمح بإعادة التكيف والهيكلة بعد وجبات كبيرة من ارتفاع الاسعار؛ والاهم في ظل وجود شخصية عسكرية تملك مؤهلات للحفاظ على وحدة الجيش وتماسكه؟
اسئلة تطرح على كافة المنخرطين في الازمة السودانية؛ تتطلب حوار مسؤول بين كافة الاطياف والمؤسسات في السودان فالحل لم يعد رهيناً بإرادة طرف بعينه دون آخر.
السبيل - السبت 13-4-201