هذه «الاسترضائية» تستفزنا..!
ما هو اقصر طريق لاستفزاز الناس واثارة غضبهم ..؟ الاجابة بكلمة واحدة، هي : «الاسترضائية «، لا اتحدث هنا عن التعيينات التي تنزل احيانا بالبرشوت تحت لافتة الترضيات العاجلة، وانما عن سياسات عامة تشمل بعض المقررات والتشريعات التي يتم تفصيلها على مقاس اشخاص من اصحاب الحظوة والنفوذ، بذريعة «الاقربون اولى بالمعروف»..!
خطر هذه السياسات التي مارستها بعض الحكومات لا يتعلق بارضاء البعض على حساب الاغلبية التي يجري عليها القانون وتلتزم به، وما تفرزه هذه الترضيات من احساس بالظلم واهتزاز في موازين العدالة، وانما يتجاوزه الى تشكيل طبقتين : طبقة صغيرة من المنتفعين والانتهازيين الذين يمتصون «دم» البلد وخيراته، ثم يتسلقون على جدرانه، وطبقة اخرى اكبر من المهمشين الذين يشعرون بالخيبة، وقد تدفعهم هذه الخيبة الى الانتقام من انفسهم ومن مجتمعهم، كما انه يؤسس لحالة من الولاءات المغشوشة للمؤسسة وللمجتمع والدولة، لان هؤلاء الذين ضمنوا حصتهم بلا مجهود ولا كفاءة سيظلون مدينين بالفضل لاشخاص هم اولياء نعمتهم، لا لمؤسسات ولا لقانون ايضا.
الاخطر من ذلك، ان السياسات «الاسترضائية» التي خرجت من تحت عباءة الواسطة والمحسوبية، ساهمت في تدمير الادارة العامة، ليس فقط على صعيد الاشخاص الذين تولوا مواقع فيها وهم غير اهل لذلك، وانما على صعيد قيم الوظيفة العامة واخلاقياتها التي تراجعت وتشوهت.
بقية مقال حسين الرواشدة
المنشور على الصفحة الأخيرة الجزء الأول
لدرجة اننا اصبحنا امام ازمة ادارية افرزت انماطا وقيما سلوكية لم تألفها الادارة في بلدنا، وهذه الازمة اسوأ بكثير من ازمتنا الاقتصادية والسياسية، لان مخرجاتها ظلت معلقة بعنوان اساسي، وهو « الفساد»، هذا الذي يشكل صاعقة الاستفزاز لاغلبية الناس في بلدنا.
حين ندقق اكثر، سنكتشف ايضا بان ما نشهده من انقلابات في مواقف بعض الذين خرجوا من الوظيفة العامة، او الاخرين الذين امتنهوا المعارضة «بالصراخ»، كان وراءه سر واحد، وهو» الاسترضائية «، فهؤلاء اما انهم وجدوا انفسهم محرومين من «العطايا» التي كانوا يحصلون عليها، فأشهروا انتقاداتهم في كل اتجاه، واما انهم يطمحون الى الحصول على نصيبهم من «الكعكة» مثل غيرهم، فيتبدل - بعدئذ - سخطهم الى رضى وقناعة .
مقابل مئات، او ربما آلاف، ممن تجري عليهم سنن السياسات الاسترضائية ومقرراتها، ثمة مجتمع اصبحت عيونه مفتوحة ( بفضل الاعلام الذي كشف كل شيء)، يراقب ويطالب بان تكون العدالة مسطرة للجميع، ولك ان تتصور كيف ستكون حالة هذا المجتمع حين تسود لغة الاسترضائية وتفرض سطوتها، وكيف سيقتنع الناس فيه بانهم موطنون لا مجرد رعايا، او بأن محمد يرث كما يرث اخوه تماما بلا اي تفرقة.
صحيح اننا استبشرنا بقدوم حكومة طرحت مشروعا لنهضة الاردنيين ووعدتهم ان تصارحهم بشفافيتها، لكن من حقنا ان نصارحها باننا نريد سياسات اخرى تتجاوز ارضاء البعض على حساب الكل، او تقسيم الغنائم على قاعدة «المؤلفة قلوبهم»، نريد ان يطمئن الاردنيون، كلهم، بانهم شركاء في المغنم والمغرم معا.
لقد انتهى الزمن الذي كان فيه الوطن بحاجة الى هؤلاء المؤلفة قلوبهم لان قلوب الاردنيين، كل الاردنيين، مع الوطن، والاهم لان باب الدخول الى «الملة» الوطنية مفتوح دائما بلا تأشيرات ولا رسوم ولا طوابع، ومن المخجل حقا ان يقايضنا «الاسترضائيون « على الدخول في «الملة» الوطنية : فاما ان ندفع واما ان نخلع، ومن المخجل اكثر ان يخضع البعض لهذا المنطق الغريب والمستفز ايضا.
الدستور - الخميس 25 نيسان / أبريل 2019.