يمكن أن نتحرك في هذا الاتجاه
دعونا نفكر جديا في اطلاق اية مبادرة تعيد السلام والامل لبلداننا المتناحرة، وتنهي حالة الانقسام او تضمن على الاقل وقف الخسائر وعدم تصاعدها، دعوا عمان تتحرك، كما فعلت دائما، نحو واجب لا تستطيع اية عاصمة غيرها ان تقوم به في هذا الزمن العربي الحزين.
مسألتان تشغلان عمان هذه الايام: مسألة ملف «صفقة القرن» والعدوان الاسرائيلي على الاقصى والمقدسات، ومسألة الحرب الاهلية التي ما تزال دائرة داخل البيت الاسلامي، وكلاهما يستحقان ان نتحرك باتجاه جمع اشلاء امتنا وتوحيد كلمتها، فنحن وحدنا لانستطيع ان ننهض بالواجب، ونحن بما يمكن ان نفعله بمشاركة اخواننا يمكن ان نستدرك اخطارا كبيرة تهددنا كما تهدد جيراننا،ولهذا فان اية حركة او مبادرة نطلقها ستصب في الاتجاه الصحيح.
السؤال : هل نستطيع ان نفعل شيئا وسط هذه الحرائق التي اشتعلت في كل مكان مِن حولنا ؟ الاجابة مهمة لاكثر من سبب : الاول انه اذا وقعت الواقعة -وقد وقعت فعلا- فلن يسلم منها احد، صحيح ان بلدنا والحمد لله ما زال صامدا في وجه الاعاصير التي دكت العواصم والامصار المحيطة بنا، لكن صحيح ايضا ان اتربتها المحملة بالغبار وصلت الينا، ولا بد او نتوقع باننا لسنا محصنين من امتداد عدواها في اية لحظة. السبب الثاني: هو اننا لا يمكن، ولا يجوز ان نتفرج على المشهد او نتعامل معه بمنطقه الفرجة والانتظار، ليس لان ذلك يتعارض مع مصالحنا فقط وانما لانه يتناقض مع مبادئنا واخلاقنا التي تفرض علينا كابناء امة واحدة ان نتعاون ونتكاتف كمثل الجسد الواحد، اما السبب الثالث فهو اننا الوحيدون في هذه المنطقة القادرون على الحركة وعلى المبادرة سواء من جهة ما نملكه من ارث في هذا المجال او من جهة ما نتمتع به من ثقة و مصداقية وقدرة على التاثير في محيطنا.
ما العمل اذن ؟ قبل ان اجيب لابد من الاشارة الى ان الثمن الذي تدفعه بلداننا من وراء هذه «الفرقة « والحروب والصراعات سيكون باهظا بكل الحسابات وان الاستمرار فيها ربما (لعشرة اعوام او ثلاثين عاما) يعني ان اجيالنا وابناءنا واحفادنا سيقضون اعمارهم في دروب التيه ولن يتمكنوا من رؤية اخر النفق لمئة عام وربما اكثر، وبالتالي فان اقرب واسهل وافضل طريق لوضع حد لهذه الدوامة من الخراب الشامل هو طريق الحوار، نعم الحوار ولا شيء غيره، ذلك انه يمكن ان نوفر على انفسنا ملاين القتلى والجرحى والمشردين واقساط ضخمة من الآلام والحسرات والتشوهات النفسية والاجتماعية بكبسة زر واحدة على مفتاح الحوار والتفاهم، تماما كما فعل غيرنا من الامم التي اهتدت بعد حروب طاحنة الى معاهدات صلح لا غالب فيها ولا مغلوب.
على هذه القاعدة يمكن لـ»عمان» التي سبق ومدت يدها لاشقائها المتحاربين والمختلفين لكي تدعوهم الى الوفاق والاتفاق، او لكي تشجع اتباع المذاهب الاسلامية على اللقاء والحوار، او اتباع الاديان السماوية على الوئام ان تطلق مبادرة جديدة في هذا السياق.
هل يمكن ذلك الان ؟ نعم، سواء على صعيد السياسة والفاعلين فيها او على صعيد الدين وعلمائه ورجاله يمكن لعمان ان تتحرك في هذا الاتجاه، كما فعلنا حين اطلقنا رسالة عمان مثلا، يمكن ان تؤسس هذه الرسالة لانطلاق مؤتمر اسلامي عالمي يشارك فيه ممثلون عن علماء المذاهب والمدارس الاسلامية المعتبرة لتأسيس مواقف صلبة تساعد المسلمين على الخروج من هذه المحنة، وتوحد علماءهم على كلمة سواء، كما يمكن في تجاه مواز ان تنهض عمان لعقد مؤتمر سياسي او اطلاق مباردة « وفاق « تجمع الدول الفاعلة في الاقليم،-حيث تتضمن ما يمكن اتخاذه من مقررات واجراءات لوقف نزيف الدم وطي صفحة الصراع الدائر في منطقتنا على اساس الطائفة والمذهب، وانهاء الحرب القائمة في اطار الدين الواحد.
الدستور -الجمعة 26 نيسان / أبريل 2019.