رئاسة جمهورية أم خشبة مسرح؟
اللغة خبيثة، ومصطلحاتها أكثر خبثاً. أحياناً تقول في كلمة ما يقال في صفحة، وأحيانا تتحدث عن حالة دون ان تتكلم. لا ادري من استخدم مصطلح «مسرح السياسة» و»لعبة السياسة» مستعيراً من المسرح خشبته وممثليه وحتى جمهوره.
وكما كل ما كان غريباً صار مألوفاً. فقد شهد العالم مؤخراً ممثلاً كوميدياً مثل شخصية رئيس دولة يصبح فعلاً رئيس دولة هي أوكرانيا!.
فقد حقق الممثل الكوميدي «فلاديمير زيلينسكى» فوزا ساحقا على نظيره الرئيس «بوروشينكو» بنسبة 73% من أصوات الناخبين مقابل 25% لمنافسه في الانتخابات الرئاسية الأوكرانية الاسبوع الماضي.
زيلينسكي البالغ من العمر 41 عاماً من أصول يهودية وينتمي لعائلة من الصناعيين الأثرياء فى أوكرانيا. درس المحاماة وتركها مفضلاً دخول المجال الفني والتمثيل بعد فوزه فى مسابقة كوميدية تلفزيونية.
بدأت شهرته عند الأوكرانيين والروس من خلال خشبة المسرح والسينما في عام 2000 عندما أسس شركة إنتاج خاصة به، أصبحت تقدر بملايين اليوروهات، كما أنه مول العديد من العروض التلفزيونية. أصبح يمتلك إمبراطورية ترفيه حقيقية ويعد من أثرياء أوكرانيا، ويعي تماما ما يريد إيصاله للأوكرانيين عبر رسائله الفنية، من انتقادات للساسة والسياسة بطريقة كوميدية.
فعل زيلنسكي عكس ما يفعل الساسة الذين يمثلون على شعوبهم من خلال مقولة «السياسة فن الكذب» فقد كانت نقطة التحول فى حياته بعد تمثيله شخصية رئيس البلاد فى الحلقات التلفزيونية «خادم الشعب»، وهو الدور الذي قام فيه بأداء دور أستاذ نزيه للتاريخ تلعب الصدفة دورا كبيرا فى حياته ليصبح رئيسا للدولة، وهو العمل الذي تأثر كثيرا في وجدان الشعب الأوكراني، الذي عقد عليه الآمال في التغيير وانتخبه رئيساً بفارق كبير عن منافسه.
في دول ناشئة كجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق فان المال يلعب دوراً جوهرياً في السياسة التي تحكم المجتمع. فقد اعلن زيلينسكي ترشحه لرئاسة أوكرانيا فى نهاية العام الماضى 2018، وأحدث ترشحه غضبا لدى البعض فيما اتهمه آخرون بأنه دمية للوبي الإسرائيلي القبرصي الأوكراني، كذلك لتعامله مع اليهودي «أيهور كولومويسكي» الشريك الرئيسي في القناة التلفزيونية التى أذيعت من خلالها حلقات مسلسل «خادم الشعب».
فهل كان لليهود الصهاينة دور في ايصال زيلينسكي لرئاسة هذه الجمهورية التي تفككت عن الاتحاد السوفييتي العام 1994 وتقف الآن مع اوروبا في مواجهة روسيا بسبب شبه جزيرة القرم التي سيطرت عليها روسيا عسكرياً العام 2014 وضمتها اليها بعد ان كان الاتحاد السوفييتي منحها لأوكرانيا العام 1954؟.
تقول «الايكونوميست» أن زيلينسكي رابع رئيس للجمهورية الفتية وهو أول رئيس يهودي في تاريخ أوكرانيا. وكان الاحتفال بفوزه في العاصمة كييف مميزاً واقرب منه الى خشبة مسرح على خلفية من الأغاني الصاخبة، وتبادل المشروبات الكحولية، والزينات المعلقة حيث تحول مقر حملته إلى ما يشبه الملهى الليلي. هذا الفوز الذي تحقق على الرغم من عدم وجود خبرة سياسية وبرنامج سياسي غامض، فقد عهد إليه الناخبون بقيادة البلاد التي تحتاج إلى إصلاح جذري، وما زالت متورطة في حرب محتدمة مع روسيا.
لم يكن فوز الممثل الكوميدي فلاديمير زيلينسكي في انتخابات الرئاسة الأوكرانية مفاجأة مدوية مثلما يعتقد البعض، فرغم أن صعوده كان سريعا ونوعا من المفارقة، إلا أن قصته تكررت من قبل في دول أخرى جاء رؤساؤها من خلفيات مهنية بعيدة تماما عن السياسة ومن مجالات مدهشة على رأسها المجال الفني ومنهم: الكاتب المسرحي فاتسلاف هافل، آخر رئيس لدولة تشيكوسلوفاكيا وأول رئيس لجمهورية التشيك، أحد مهندسي «الثورة المخملية» البيضاء التي أسقطت النظام الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا عام 1989، والذي غيبه الموت في ديسمبر (كانون الأول) 2011عن عمر يناهز 75 عاما.
ومنهم ايضاً الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريغان، الذى كان يعمل قبل وصوله إلى البيت الأبيض في ثمانينيات القرن الماضى مذيعا وممثلا من الدرجة الثانية.
وتحولت حياته من عالم التمثيل والتلفزيون إلى السياسة عندما ترشح لمنصب حاكم ولاية كاليفورنيا وفاز في عام 1966 ليبدأ بذلك مسيرته نحو البيت الأبيض، الذي وصل إليه عام 1980.
رئيس غواتيمالا جيمي موراليس قبل أن ينجح في الوصول إلى رئاسة هذا البلد اللاتيني في أكتوبر 2015، كانت مهنته مثل ريغان التمثيل، وعرف عنه تمثيل أدوار فكاهية مع شقيقه. وكان موراليس قد قدم برنامجا فكاهيا على مدار 20 عاما يسخر فيه من الأوضاع الحياتية بشكل عام.
ويظل السؤال المحير: أيهما التمثيل، الرئاسة والسياسة أم المسرح والممثلين؟ وهل نعيش عصراً لم يعد فيه الاثنان مختلفان، تمثيل وتصفيق، وصفقات تباع فيها دول وأوطان؟!.
السبيل- الجمعة 26 نيسان / أبريل 2019.