الأخ الأميركي في العائلة!
عادت القصص الفاضحة عن التجسس الأمیركي على العالم، إلى الواجھة. وبتنا نشعر لھولھا وضخامتھا، أن كل عائلة على الأرض یشاركھا البیت فرد أمیركي لم تنتبھ لھ قبل ذلك! فرد ألیف وھادئ و“دیبلوماسي“؛ تم تدریبھ على الأكل المحلي والموسیقى المحلیة والتلفزیون ٌ المحلي والطقس واللھجة والخلافات العائلیة، ینام وسط الأولاد كأنھ واحد منھم، لكنھ موجود فقط من أجل سعادة ھذه العائلة ورفاھھا، ودفع الأذى عنھا؛ كما قالت وكالة الأمن القومي الأمیركي! فالسبب وراء التنصت على ملیارات المكالمات للناس (خصوصاً في الدول الحلیفة) كان لحمایة ّ أمن ھذه الدول في الغالب، كما تقول الوكالة؛ أي كما یقول ولي الأمر لابنھ أحیاناً (أنا بحاول أحمیك من نفسك)! وھو مجھود ضخم، وخارق، تتجشمھ الدولة الأكبر، حتى أن ثلاثة أعضاء في الكونغرس عادوا ّ “ ھذه المرة، ولكن من زاویة: لماذا نصرف كل ّ ھذا الأسبوع لیھددوا بفتح الملف، ومناقشتھ ”علناً ھذه الأموال على مراقبة الدول المتخلّفة؟ ھل لحمایة الشعوب الجاھلة من إیذاء نفسھا؟! یعیدنا ھذا إلى المشھد الأول من القصة، وكیف بدت الدولة العظمى في أشد حالات الخزي وھي ّ بالتنصت على ھواتف أكثر من 35 رئیس دولة، حتى لم یعد الإنكار ممكناً، ولم تضبط متلبسةً یجد السید أوباما أمامھ في ذلك الوقت الا القول ”نعم نتجسس. كما تفعل كل الدول“! ّ لا أعرف كیف كان موقف الجدة أنجیلا میركل وھي تنظر في عیون أحفادھا وھم یسمعون من ّ التلفزیون أن ھاتف الجدة القویة والصارمة مراقب من السفارة الأمیركیة؛ لكنھ شعور مھین على أي حال؛ حیث لم یعد ثمة ھیبة للحكومات في بلادھا؛ ولا نعرف ما الذي یحملھ الخیال العلمي للدول ككیانات مستقلة، في المستقبل البعید، .. فربما لا تعود ھناك ضرورة لفكرة الحاكم الوطني، بما أنھ لا یستطیع حمایة تلفونھ الشخصي، وبما أن كل ھیلمانھ الوطني وأجھزة أمنھ لم
تستطع أن تحمي مكالماتھ مع زوجتھ! لكن ربما یكون المستقبل (أكثر مرونةً)، ویحمل لنا أخباراً مفرحة، كأن یصیر العالم كلھ ولایات متحدة أمیركیة، وتصیر مھام الأمن والجیش في العالم كلھ من مسؤولیة ”الأخ الأكبر“ في واشنطن، والدول لا تعود تعنى سوى بمھام الأكل والمطاعیم وتنشیط السیاحة! وتلغى وزارات ”الخارجیة“؛ فكل الشعوب تصیر أھلا وعائلة واحدة یسودھا السلام والوئام، ویوفر العالم موازنات ضخمة جداً وخیالیة تنفق الآن على التسلیح والتجسس والحروب، وھي نفقات غبیة وبلا معنى ما دام الجمیع في النھایة یسعى لرضى أمیركا ومساعداتھا! وتوفر أمیركا، بذلك، كل نفقات التجسس والتدخل العسكري والجیوش الضخمة، لتنفق علینا نحن أبناء الشعوب الجاھلة التي قد تؤذي نفسھا، وتأخذنا في رحلات ترفیھیة! بل إن ذلك سیعطي الفرصة لشرطي العالم أن تصیر ”أم العالم“ الحنون ومرضعتھ. ّ ویعطي الفرصة للجدة أنجیلا میركل لتكون قدوة حسنة لأحفادھا ولا تظھر أمامھم بصورة مھزوزة. ربما یبدو الأمر صادماً في البدایة لمھووسي الھویات الوطنیة، وأصحاب الأجندات الرومانسیة والكلاسیكیات التي لم تطعم أصحابھا، ومعزوفة القرار الوطني المستقل، في الدول الصغیرة والكبیرة، لكنھم سرعان ما سیتكیفون لاحقاً مع ذلك، وربما یواجھ السلفیون وموالید برج الدلو وسكان المناطق النائیة بعض الصعوبة الناجمة عن اختفاء الأغاني الوطنیة و..و..و...الخ!
الغد= السبت 27-4-2019