الجزائر والمرحلة الانتقالية
رغم الاطاحة بالرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة الا ان الحراك في الشارع لم يتوقف وسار بالتوازي مع حراك داخل النخبة ومراكز القوة في الدولة الجزائرية؛ اذ احتدم الصراع بين اقطابها واطاح بالعديد من الرموز والقيادات السياسية والامنية والاقتصادية المرتبطة بحقبة بوتفليقة كان آخرها اعتقال شقيق الرئيس الجزائري السابق سعيد بوتفليقة ومعه الجنرال توفيق والجنرال بشير طرطاق ابرز قادة جهاز المخابرات الجزائري خلال الحقبة السابقة الممتدة من العام 1990؛ اعتقالات جاءت بعد اتهامات قايد صالح قائد هيئة الاركان لهم بالتآمر.
التحركات داخل مؤسسة الجيش كانت الاقرب الى الشارع الجزائري سواء بالضغط على الرئيس السابق للاستقالة أم من خلال ملاحقة رموز حقبة النظام السابق؛ فالشارع بقي متمسكا بضرورة الاطاحة بكل رموز الحقبة السابقة وضرورة ابعادها عن موقع التأثير واسهم الصراع داخل مؤسسات الدولة وخصوصا مع الجيش الجزائري وقادته في تسريع هذه الخطوات.
إلا ان الشارع الكبير والاعتقالات تطرح تساؤلا جديدا: ماذا بعد عملية التطهير الواسعة، هل ستسير الجزائر نحو انتخابات رئاسية يشرف عليها عبد القادر بن صالح رئيس الجمهورية المؤقت ونور الدين بدوي رئيس الوزراء، ام اننا امام معركة جديدة على وشك الاندلاع؟
بُعيد القبض على سعيد بوتفليقة ازداد التركيز على القائم بأعمال رئيس الجمهورية عبد القادر بن صالح ورئيس الوزراء نور الدين بدوي لعلاقتهما القوية بالرئيس السابق بوتفليقة؛ فالرجلان باتا محاصرين اكثر من أي وقت مضى بعد الاعتقالات التي شملت سعيد والجنرال توفيق، والاضواء مسلطة عليهما اكثر من أي وقت مضى سواء من قبل المؤسسة العسكرية ام من قبل الشارع الذي يطالب بهيئة مستقلة للانتخابات واستقالة الرئيس المؤقت.
امر دفع رئيس الجمهورية المؤقت عبد القادر بن صالح الى الاعلان عن نيته القاء خطاب مساء امس يعرض فيه مبادرة جديدة للحوار والتشاور مع القوى المدنية من الممكن ان تنتهي باستقالته شخصيا؛ اذ لم يبد ممانعة لذلك؛ نقطة تحول مهمة ان صحت الانباء المتواردة، من الممكن ان تقود الى خفض منسوب الاحتقان في الشارع الجزائري، الا ان الخشية من انتقال المواجهة بين الشارع وقائد الاركان قايد صالح؛ فعلى الرغم من تخلصه من رموز تمثل تهديدا لمكانته الا انه سيتحول بمرور الوقت الى نقطة الارتكاز الاساسية في المرحلة المقبلة وستصبح هوية الرئيس المؤقت الجديد مثار الجدل الكبير.
المعركة بين الشارع وبين رئيس هيئة الاركان واردة، غير ان رئيس هيئة الاركان عبر اكثر من مرة عن دعمه لخيار الشعب الجزائري وعن تمسكه بالدستور واجراء الانتخابات، وبالرغم من ذلك فإن تأجيل الانتخابات واطالة المرحلة الانتقالية بحسب توصية مولود حمروش رئيس الوزراء الاسبق من الممكن ان تفتح الباب لمعركة جديدة وتضع قائد الجيش في موقف حرج ففي ظل غياب الشخصيات الاشكالية سيجد نفسه في مواجهة مباشرة مع الشارع وستتحول شخصية الرئيس المؤقت الجديد محور الخلاف على الارجح، الا اذا قرر رئيس الاركان الابتعاد عن المشهد بالكامل وترك الامر للشارع بعد نجاحه في مواجهة سعيد والجنرال توفيق فهل يكتفي بذلك ام سيبقى في واجهة المشهد؟
الانتخابات مقررة في 4 تموز- يونيو فهل المدة المتبقية كافية لأن تطرح الاحزاب والقوى السياسية مرشحيها خصوصا ان رئيس الوزراء الاسبق حمروش يشكك في الامر ويدعو الى تمديد المرحلة الانتقالية؟ الاسئلة لن تتوقف عن التدفق غير ان الجزائر حتى اللحظة رسمت معالم مرحلة انتقالية هادئة والمعركة المقبلة ستتركز اكثر من أي وقت مضى على دور رئيس الجمهورية الانتقالي وعلى دور المؤسسة العسكرية وامكانية تمديد المرحلة الانتقالية.
ملفات تحمل في باطنها الكثير من التفاصيل الغامضة التي تعتمد الى حد كبير على قدرة الاطراف الجزائرية على ادارة حوار سياسي شامل يجنبها الغموض المرتبط بالمرحلة التي تعيشها البلاد.
السبيل - الأحد 5/مايو/2019