أهلاً برمضان الحبيب
أستعيد اليوم كلمات كُنت كتبتها قبل سنوات، ونشرتها غير مرّة مُفتتحاً معها أشهر رمضان الماضية، فهي ستظلّ تمثّل موقفي الدائم من الشهر الحبيب: بإسمك، اللهم، نفتتح الشهر الفضيل، ولك، سبحانك، نتوجّه بالصيام، ولمقامك الأعلى بالدعاء أن تُشذّب نفوسنا، وتمنع عنّا سيئاتنا، وتملأ أرواحنا بفضاء الإيمان، وتُبعد عنّا الشرور، وتُدني منّا عمل الخير، وأن تساعدنا على الاقتداء بعبدك ورسولك حبيبنا محمد عليه أزكى الصلوات والسلامات... ولأمرك، سبحانك، نصدع، ونحيي الشهر الفضيل، فنعيش رحلة التأمّل في ما وهبتنا، ونتفكّر في المعاني الآسرة التي تمتلئ فيها آياتك، وسيرة نبيّنا العظيم، ونزور مقامات صحابته، الذين قضوا على أرضنا الطيّبة، فكانوا شهداء الحقّ والدعوة، ونتطلّع يومياً إلى التماعة قبّة الصخرة حيث قبلتنا الأولى ومعراج أحسن الخلق، وأيادينا مفتوحة إلى السماء، وقلوبنا مشرعة إلى فضائك، تتوجّه اليك بدعوات فكّ الأسر الذي طال وطال. وفي يوم أنهك التعب والجراح سيّدنا محمداً، صلى االله عليه وسلم، من موقف أهل الطائف، فجلس إلى ظلّ شجرة عنب ورفع رأسه يدعو بهذا الدعاء: «اللهم إليك أشكو ضعف قوّتي، وقلّة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت ربّ الناس وأنت ربّي، إلى مَن تكلني؟ إلى بعيد يتجهّمني أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي. ولكن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له
الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تنزل بي غضبك، أو يحلّ عليّ سخطك، لك العتبى حتّى ترضى، ولا حول ولا قوّة إلاّ بك»... ومن سيرة محمد، صلى االله عليه وسلم، ذلك الحصار الاقتصادي الذي عاناه مع جماعته لمدة ثلاث سنوات، حيث اشتدّ عليهم البلاء في مكّة، وكانوا يأكلون ورق الشجر، ولعلّ مثل هذا تماماً ما يجري في فلسطين، لكنّ النهاية تشهد دائماً أنّه لا يصحّ إلاّ الصحيح، فقد صبر محمد، صلوات االله عليه، وصبر المؤمنون، وانتهى الحصار بنصر من عند االله، ونجحت الدعوة التي ملأت الدنيا وما زالت حتّى الآن، ولعلّ الصبر والجهاد في فلسطين هو الذي سيأتي بالفرج، ففي خطبة الوداع يقول نبيّنا صلى االله عليه وسلم للمؤمنين: «أيّها الناس، إنّ الشيطان قد يئس من أن يُعبد بأرضكم هذه أبداً، ولكنّه إن يُطع فما سوى ذلك فقد رضي به مما تحقرون من أعمالكم، فاحذروه على دينكم»... وليس كرمضان شهر نحافظ فيه على ديننا.
الرأي - الاثنين 6-5-2019