إلى أين نحن ذاهبون؟
حال شرائح كبيرة وعريضة من الشعب الأردني الذين يساورهم القلق والخوف من المستقبل، ويتساءلون فيما بينهم إلى أين نحن ذاهبون؟ في ظل أوضاع داخلية صعبة، فهناك مديونية ثقيلة، ودخول متآكلة وضرائب باهظة، وأرقام بطالة مرعبة، وتراجع واضح في مستوى التعليم وخريجي الجامعات، وأزمة نقل مستفحلة، بالإضافة إلى وضع إقليمي غير مستقر، وخلافات عربية لم تجد طريقاً نحو الحل، وهناك موضوع صفقة القرن الأكثر إثارةً للهواجس والأكثر غموضاً والأكثر عصفاً لمستقبل المنطقة وشعوبها وأنظمتها السياسية.
هذا المشهد المحلي والإقليمي بكل تعقيداته يعد ثمرة لتراكمات كثيرة ومتشعبة عبر حُقب زمنية متوالية وأحداث تاريخية مليئة بالصراعات الدامية، ولكننا اليوم نقف على أعتاب مرحلة جديدة مختلفة، تستحق مزيداً من القلق والتوتر على جميع المستويات الرسمية والشعبية والحزبية، وتستحق في الوقت نفسه مزيداً من التفكير ومزيداً من المشاورات والدراسات من أجل البحث عن مخرج ملائم، وموقف يتناسب مع حجم التغيرات المذهلة التي طالت المشهد بكل مكوناته وتفاصيله.
فكرة الانطلاق الجادة نحو المستقبل القريب والبعيد تقوم على مجموعة من القواعد التي ينبغي أن تكون محلاً للتوافق الجمعي بين العقلاء، ومن ثم الشروع في إقامة روافع البناء الجديد.
أولها: ينبغي الانعتاق من منهجية المرحلة السابقة بشكل كامل، والتخلص من الأدوات والأساليب القديمة التي أسهمت في إخراج المرحلة السابقة، وأسهمت في بناء المشهد القائم بكل أبعاده ومعالمه الظاهرة على جميع الأصعدة وفي كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بشمول.
وثانيها: الشروع في بناء حياة سياسية صحيحة قادرة على إفراز قيادات جديدة، وتدشين منظومة تربوية معاصرة قادرة على بناء الإنسان الجديد القادر على تحمل أعباء المرحلة القادمة بكفاءة واقتدار، وقادرة على فهم المشهد الجديد والتعامل معه بمنهجية مناسبة.
بمعنى آخر أكثر وضوحاً، ينبغي التخلي عن سياسة التوظيف والاسترضاء، والاستثمار في الاختلافات والتناقضات المجتمعية المصطعنة التي كانت تهدف إلى كسب الوقت وتفويت اللحظة بعجرها وبجرها، دون معالجة حقيقية لجوهر المرض حتى كان ذلك مصحوباً بالألم، وينبغي في مقابل ذلك الذهاب إلى عملية البناء والإصلاح الوطني الشامل القائم على منظومة المسارات المتوازية بدقة وشمول ورؤية بعيدة المدى.
نحن اليوم أحوج ما نكون إلى تهيئة البيئة المناسبة لولادة قوى سياسية منظمة منبثقة من جوهر فكرة الدولة الأردنية المعبرة عن ضمير الشعب الأردني وهويته ومستقبله وتحمل المشروع الوطني، وتكون قادرة على إحداث توازن سياسي بين القوى المتنافسة، وتكون هي المرتكز في بناء السياسات الداخلية والخارجية، بعيداً عن منطق الابتزاز ولي الذراع، والاستثمار في لحظات الضعف واستخدام طريقة اللعب على الحبال، فهذه من باب الفهلوة السياسية التي تتقن الحصول على المكاسب السياسية، ولكنها ليست قادرة على بناء الدولة وحمايتها ومساندتها عن الحاجة.
الدستور - الثلاثاء 7 أيار / مايو 2019.