المسلسلات والجمهور «مش عاوز كده»!
تكرّس رمضان، منذ زمن، باعتباره شهر المسلسلات التلفزيونية العربية، وكان الاستنفار التنافسي الفنّي يصل إلى حدّ الحروب بين الكتّاب والمخرجين والممثلين لتقديم ما يليق بالايام الثلاثين، التي تتجمّع فيها العائلات حول الشاشة، ولكنّ الجديد أنّ مستوى هذه المسلسلات يتراجع في مضمونه سنة بعد أخرى، وصار همّ المخرجين والمنتجين ملء الساعات التلفزيونية الثلاثين بما هبّ ودبّ، حتى لو تناقض المحتوى مع الواقع الذي يعيشه المواطن العربي. حتى القنوات الفضائية كانت تتنافس في شراء المسلسلات المميّزة، وتتقدّم بعروض سخيّة للحصول على حقوق العرض الحصرية، ولكن وعلى ما يبدو أنّ الحصرية باتت في خبر كان، ويُباع المسلسل الواحد للكثير من المحطات، وهذا يعني أنّ أحداً غير معني بدفع الكثير من أجل الحصول على القليل. من الطبيعي أنّ انحدار المستوى الفنّي والثقافي والإعلامي العربي سبب مهمّ لهذه النتيجة، ولكن وفي تقديرنا أنّ الحالة السياسية العربية ساعدت إلى حد كبير، فاختلاط الحابل بالنابل أدى إلى سلسلة هجرات للمبدعين للخارج أو لدول عربية أخرى، ممّا أفرغ الساحة من كبار كثيرين.
وأكثر من ذلك، فقد أوصل الشتات السياسي العربي لاستنكاف محطات تلفزيون السعودية والخليج عن شراء مسلسلات لمبدعين معينين لسبب مواقفهم السياسية، وهذا ساهم بالطبع لتسيّد الضحل والهشّ الساحة، إلى درجة الهروب من انتاج المسلسلات التاريخية الزخمة، لأنّ التاريخ صار مختلفاً عليه عربياً، وبات الابتعاد عنه أسلم، ويا دار ما دخلك شرّ! الغريب أنّ هناك من يُرجع ذلك كلّه إلى أنّ «الجمهور عاوز كده»، وهذا تكرر في الصحافة المصرية مؤخراً، ولكنّ الحقيقة تُفيد بعكس ذلك، لأنّ حجم المشاهدات كان أيام الزمان حتى القريب أكبر بكثير، وهكذا فـ «الجمهور مش عاوز كده»، وللحديث بقية!
الرأي - الأربعاء 8 أيار / مايو 2019.