رمضان والطعام
قبل دخول شهر رمضان الكريم بأيام، لحظت إقبال الناس على شراء السلع بكثافة، حتى إنك تجد الرجل وزوجته يسيران بعربتين محملتين بالأطعمة، وعلى كل ضرس لون، وكأنّ الطعام سينفد من الأسواق، وستقع مجاعة تأكل الأخضر واليابس. قضيت في هذا البلد ما يزيد على عشرين رمضان، لم أشعر بنقص في الأغذية أبدا، فكل شيء موجود ومتوافر طول العام، ولكن حالة الفزع التي نراها لا مبرر لها، والتي كان من نتائجها أن وقف ولدي محمد بطابور طويل ما يزيد عن ساعة، حاملا معه علبة من اللبن الرائب فقط، والسبب العربات المكدسة.
هل رمضان شهر الطعام أم شهر الصيام؟ لقد قلبنا الآية، فبدل أن نحضّر أنفسنا للصيام وآدابه، أصبحنا نهتم بالطعام والعزائم، والولائم. وكأن المطلوب أن نرمم ما هدمه الصيام من شحوم أجسادنا، ونرفع مستوى الجلوكوز الذي هبط في الدم.
يقول لي صديقي الطبيب: للأسف فإن الغالبية العظمى من مرضى السكري الذين يراجعونه يرتفع عندهم معدل السكر في الدم بعد شهر الصيام، والسبب واضح، إنها العربات المتخمة التي ستتحول إلى طعام يأكله مريض السكري فيرجع خبرا بعد عين، فالمناسف، القطائف التي نأكلها، والعصائر التي نشربها، كفيلة بأن تطرح في الفراش شمشون الجبار.
ولا أنسى المشاكل الناتجة عن العزائم، من نعزم أولا أهل الزوج أم أهل الزوجة؟ هل نطبخ المنسف باللحم أم بالدجاج؟ هل نضع صنفا واحدا أم عدة أصناف؟ فتعدد الأصناف عند البعض يدلّ على زيادة الكرم والمحبة، وعند البعض الآخر أنه أشبه بطبيخ الشحادين، فيقع الخلاف بين الأزواج، وتنطلق كلمة الطلاق من فم الزوج مسددا إياها نحو صدر زوجته، ويخسر الزوج من مخزنه طلقة في سبيل الطعام.
الدستور -الخميس 9 أيار / مايو 2019.