عسكر السودان وعسكر الجزائر
تمسك العسكر بالدستور في الجزائر واصرارهم على اجراء الانتخابات في موعدها وقيادة البلاد من قبل بن صالح لم يعجب المتظاهر الجزائري الرافض للرئيس " الدستوري " والمطالب بالتخلص التام من نظام بوتفليقة المتجذر في الدولة العميقة والمقاوم بشراسة .
الصمود الشعبي انتهى السبت إلى حديث عن قبول بتأجيل الانتخابات حتى نهاية العام ، وهو خبر ينتظر التأكيد الرسمي ، ووفق التسريبات فسيتسلم شخصيات وطنية زمام المرحلة ، أو ربما سيتم انشاء مجلس اعلى للدولة من اربعة أشخاص مشهود لهم بالوطنية ويثق بهم الشعب ، ومن ثم اعلان استقالة الرئيس عبد القادر بن صالح ويتبعه استقالة رئيس الوزراء نور الدين بدوي ومعه رئيس المجلس الوطني معاذ بوشارب ، وكل هذه كما قلنا مجرد تسريبات عن خارطة الطريق القادمة ولم يتم تأكيدها من اي مصدر رسمي حتى كتابة هذه السطور من فجر الأحد .
المشكلة في الجزائر ليست في الالتزام بالدستور ، ونصوصه الجامدة من عدمه ، بل في كون أن الجزائر لم تبن أصلا على العمل الحزبي المتنوع ، ولا على أي من مبادئ الديمقراطية المعروفة ، ولهذا السبب ، فإن الحراك الجماهيري المطالب بالتغيير لا تسنده قوى حزبية مجربة ولا ممثلون مسيسون موثوق بهم ، بل هو شعب حر متنوع يمثل نفسه ، ومن غير الوارد أن ينتخب هذا الحراك الملاييني ممثلين عنه مباشرة لأسباب مختلفة ، وهنا تكمن المعضلة .
المدافعون عن العسكر قالوا : إنهم يفعلون ذلك " يلتزمون بالدستور " لكي لا يظهروا امام العالم أنهم قاموا بانقلاب ، فتفقد الجزائر مكتسباتها الدولية ، وأن الغاية من التمسك بالدستور هي أن توضع العملية السياسية على سكتها ، بينما الرافضون وهم ملايين الجزائرييين فيطالبون الجيش بالغاء الانتخابات لسبب بسيط وهو أن بن صالح ، الرئيس المؤقت، هو من رجال بوتفليقة ومتهم بتزوير الانتخابات فكيف يشرف على الانتخابات شخص سبق له أن زورها كما يقول المتظاهرون .
والمراقب لما يحدث في السودان ، يجد بأننا سنشهد ذات الصور مع تغيير في المسميات ، خاصة وان العسكر السوداني أخلى ساحة الاعتصام والحواجز بينما تعرضت ساحة البريد المركزي في الجزائر الجمعة لمحاولات اغلاق بالقوة ، وبالتأكيد يختلف المشهدان في الوسيلة ، فبينما يعتبر اعتصام القيادة العامة في السودان دائما ويجري تفكيكه بذكاء ، فإن اعتصام البريد المركزي وفي عموم الجزائر هو اعتصام اسبوعي ، وفي كلتا الحالتين ، فإن العسكر الذين سبق وحددوا الانتخابات في الرابع من تموز يوليو القادم ، والذين وافقوا على تأجيلها الى نهاية العام كما يتردد سيمضون بنهج دستوري أيضا حتى وإن تغير موعد الانتخابات ، تماما كما هو عسكر السودان الذين قطعوا الحوار وأعلنوا ليل السبت استئنافه الأحد ، أي أن المبادرة الآن باتت في ايدي المجلس العسكري .
أمام هذا المشهد المتحرك ، وإلى حين الاعلان رسميا عن تأجيل الانتخابات الجزائرية يظل السؤال الابرز : كيف ستجري الانتخابات والشعب يرفض المشاركة فيها . .. هل يعقل أن تسجل استحقاقات دستورية في اي دولة من دون شعب ؟؟.
لنراقب المشهد في السودان والجزائر ولننتظر ، فالعساكر كلهم كما يبدو ، قارئون عند شيخ واحد يا مولانا .
جى بي سي نيوز - الأحد 19-5-2019