جردة حساب مع الأدوية
خِلناهم مُصلحين، حين قالوا: إن فروق التسعير في الدواء نتيجة منطقية لطبيعة السوق الأردني، وان الأمور تجري على خير ما يرام، وفجأة يكشف الناس بأن وجعهم صحيح، وأن ثمة مافيا للدواء.
لا إنكار لصناعات دوائية ناجحة في الوطن، وقد عبَرت الأزمات واستمرت تعمل في ظروف معقدة، ووصل الانتاج الأردني من هذا القطاع لمدن ودول كثيرة، في العالم والجوار عن جدارة واستحقاق.
قالوا: إن الفروق معقولة، وأن كلفة التشغيل عالية محليّاً، لكن ما الذي يفسر ارتفاع الدواء في الاردن ضعفي سعره في بلد عربي مجاور، والدواء منتج أردني، لنفس الشركة ونفس الاسم او ما إذا كان كل الدواء اجنبي المنشأ. ثم دور نقابة الصيادلة ومؤسسة الغذاء والدواء، ولمصلحة من يكون رفع الاسعار والتعويم في كل ما هو غير دواء.
كانت الابرة الخاصة بالركبة الايطالية المنشأ مسعرة بحدود 25 دينارا ثم جاء اصحاب الأيدي الخفية بالمطالبة بتعويم اسعار كل شيء وصار سعرها اكثر من 180 دينارا، وارتفع ما هو غير الدواء بما فيها الفيتامينات وهناك من حاول محاربة هذه الفكرة وتم استبعادهم من لجنة التسعير وأي لجنة لها علاقة بأسس تسعير الدواء، وكانت النتيجة ان كل شيء ارتفع من ضمنه مضممة الفم ودواء الكحة وفيتامين سينتروم، هنا علينا ان نسأل عن مسوؤلية مؤسسة الغذاء والدواء وهي التي تضع الأسس للتسعير.
أحد أهم أسس التسعير بحسب خبير وعضو سابق بلجنة التسعير من الذين تم اقصاؤهم من المشهد، هو الدول المرجعية، بالإضافة لمشكلة تعريف الدواء المصنع محليّاً، حيث التشريعات الحالية تسمح بأن يسمى الدواء مصنع محلياً إذا جرت عليه اي خطوة تصنيعية ولو لمرة واحدة، وهذا ينعكس على الادوية المستوردة من دول باسعار قليلة مثل الصين وكوريا الجنوبية، ولامراض السرطان.
عنّا أيضاً مشكلة بالأسس التسعيرية، لكن من المنتفع ومن المسؤول عن بيعها قبل المراجعة السعرية والتخفيض، ومن هو الوكيل الحصري لها ولغيرها. واللجوء لقاعدة الدول المرجعية التي كان عددهها سبعة وارتفعت إلى ست عشرة دولة، منذ سنوات وذلك لان السبعة الأولى كانت غالية ومرتفعة الثمن أسعارها، وبعد اضافة الدول الجديدة خفت الأسعار، فتغيرت أمور كثيرة في أسسها، لكن احد العاملين بها يرى أن الأسس لغاية الآن لم ترق للعدالة، ولجنة التسعير هي منفذ لأسس تسعير الدواء.
والأمر الآخر في قصة الدواء، هو الخطاب الاعلامي عن تخفيض اعداد كبيرة من الاسعار، وهو برأي خبير مطلع غير صحيح، ذلك أمر له علاقة بالكمية والنوع، وهناك حديث عن المشابهات الدوائية أيضا وما يسمح به الاردن وما لا يسمح به.
سابقاً وراهناً، قيل الكثير عن ضرورة تحرير وطننا وتطهيره، من الفاسدين والناهبين والمغالين بالتطرف والعنصرية، والماسين بالوحدة الوطنية، لكن لم يقل الكثير عن عرابي التسعيرة الدوائية وعن اللجان التي تجتمع وعن الكوميشن الذي يصرف. وعن البيوت التي تبنى من الشركات على حساب الشعب المغلوب على أمره ويتشدق اصحابها بالنزاهة.
قالوا وانشد المنشدون وغنى المغنون بفضل الصناعة الدوائية، ونحن معهم بهذا كله، لكن لم يقل احد لنا ما السسب في كل هذا الارتفاع في اسعار الدواء، لم يقنع احد في عمان، ولا بكل الحكومات رجلاً مسناً في الطيبة او عراق الأمير، ولم يقل احد ان هذا الاجراء فاسد ويحتاج لمعالجة .
العاصفة التي قادها الناس ضد فساد الدواء، فهل من اجراء حازم بقلب الطاولة على رأس المرابين في الدواء.
الدستور -