ذئاب جمال تعود شابّةً في سورية!
بعض الأصدقاء غاضبون من المعالجة التلفزیونیة لروایة الأدیب الراحل جمال ناجي ”عندما تشیخ الذئاب“، ویرون أن المسلسل المعروض حالیاً، مغایر لأحداث الروایة وخطوطھا الدرامیة ّ (وھذا حقیقي). ویضیفون أن عمان (الفضاء الأصلي للروایة) غیر حاضرة في المسلسل (وھذا أیضاً حقیقي)! لكنّني لا أعرف إن كان خطر في بال أصدقائي كم مرة تم تمثیل مسرحیة ”ھاملت“ عربیاً وعالمیاً، وبلغات ولھجات وفي مدن وقرى وأریاف، وعلى مسارح عالمیة وتجریبیة، لكن زملاء شكسبیر وأولاد بلده لم یعترضوا ولم یغضبوا ولم یقولوا أین ذھب شباب مسرح اللویبدة ّ أو مسرح الصعید الجواني بمسرحیة شكسبیر الأصلیة! دائماً ثمة فارق بین العمل على الشاشة وبین العمل الأدبي المأخوذ عنھ، وروایة مثل ”العطر“، أو ”العمى“، رأیناھما في فیلمین عالمیین، وكان لھما فضاء درامي مختلف، لا یجوز مقارنتھ بالورق المكتوب، ولا تجوز محاكمتھ على ھذا الأساس، لذلك من التجنّي أن نسأل المسلسل: أین الصفحة رقم كذا أو لماذا تم حذف العبارة التي قالھا ”الجنزیر“ لجاره؟! ّ لا أدافع عن المسلسل ضد الروایة، فقد قرأتھا بحب منذ كتابتھا، وكذلك أتابع حلقات العمل ُ بشغف، كما أن الراحل العزیز جمال كان صدیقي الحمیم، وكنت الأقرب إلیھ، وكاتب السیناریو حازم سلیمان ھو كذلك صدیقي الحمیم منذ 13 عاماً ُ ، لذلك لست منحازاً لأحدھما، فجمال كان اً ولھ أعمال كثیرة أھم من ”الذئاب“، وحازم لھ أعمال مھمة مثل ”شوق“ و“حدود روائیاً فذّ ّ شقیقة“ و“العراب“، و“بقعة ضوء“ الشھیر. ولكنني أتحدث ھنا عن الشروط الفنّ ّ یة، وعن ”حق“ الروایة المزعوم بأن تتطابق أحداثھا مع أحداث المسلسل، فحتى المخرج لھ لاحقاً رؤیتھ التي قد تتجاوز بعض صفحات كاتب السیناریو. ّ أما فیما یخص تحویل المسلسل إلى بیئة سوریة محضة، فھو سؤال غریب ومستھجن، على أصحابھ أن یتساءلوا قبل ذلك: لماذا لم ینتبھ المنتجون الأردنیون للروایة أو یكترثوا لتحویلھ
لمسلسل قبل أن ینتبھ غیرھم؟ لماذا لا تحلو للأردنیین أشیاؤھم إلا بعد أن یروھا في أیدي آخرین ّ أو محط اھتمامھم؟ وھل یستطیع الأصدقاء الذین ھاجموا المسلسل أن یضمنوا للمنتج والمخرج لو فكروا بإنتاج ّ العمل في عمان أن السقف والمحظورات والمسموح والممنوع عندنا یمكنھا أن تكون بمرونة ما ھو مسموح في دول أخرى؟ ِ ھل نحتمل في الأردن ذكر اسم عائلة واحدة معروفة في مسلسل كما یفعل المصریون والكویتیون والسوریون؟ ھل یستطیع مخرج أن یضع لتاجر المخدرات أو الإرھابي في المسلسل اسم عائلة معروف، ھل یمكن لمسلسل أردني أن یذكر اسم مدینة أو أن یقول إن المجرم من سكان جبل النظیف! رغم أن الصحف الأردنیة تتحدث یومیاً عن القبض على عشرات المطلوبین الخطرین وعشرات تجار المخدرات، لكن مجرد التلمیح في عمل درامي لاسم عائلة أو اسم منطقة یجعل العمل في ّ مھب المحاكم والقضایا والتھدید والوعید! نحن ما نزال نعیش في مجتمع نیئ لا یتقبل النقد، ولا یعترف بكل الجرائم التي تحدث لھ وأمام عینھ، وغیر جاھز للمحاكمات الأخلاقیة، ولو تم تمثیل شخصیة ”الشیخ عبد الجلیل الصراف“ في الأردن فتخیلوا ردة فعل الشارع الذي سینھض كلھ للدفاع عن الدین على أساس أن ”الصراف“ یمثل الدین، ولن نتحدث بالطبع عن شخصیة ”أبو سامر“ أو حتى زوجتھ، فھذا غیر قابل أن نتخیلھ في الدراما الأردنیة ولو بعد 50 سنة!
الغد - الجمعة 25-5-2019