الملف الاقتصادي أم السياسي؟
یبدو أن الجدل حول أي الملفات یجب أن یعالج أولا السیاسي أم الاقتصادي، لم یعد ملفا محلیا، بل بات إقلیمیا، فمؤتمر البحرین، وكما أشیع، سیناقش الأبعاد الاقتصادیة وسبل تحسین مستوى المعیشة في عدد من الدول العربیة ذات الصلة المباشرة بتطورات ما یوصف بـ“صفقة القرن“، وھذا بكلمات أخرى ما كان یتم المناداة بھ على الدوام بـ“السلام الاقتصادي“. وللتذكیر، فھذا لیس جدیدا إطلاقا، ومنطق ھذه الحجة یقوم على أن تحقیق تقدم في المجال الاقتصادي، یعني تحسنا في مستوى المعیشة، واستعادة للأمل في منطقة حبلى بالخلافات والنزاعات، ولم تشھد بریقا من الأمل منذ سنوات، ومن شأن تنفیذ عدد من المشاریع في المنطقة تأخذ البعد الإقلیمي تعزیز مبدأ ”الاعتمادیة المتبادلة“، وبھذا تتشكل شبكة من المصالح الناشئة في المنطقة، وھذه الشبكة ھي التي ستدافع عن عملیة السلام، وستصبح فاعلة لتحقیق السلام المنشود والمفقود منذ عقود بسبب غیاب تلك المصالح ومن یدافع عنھا. في الحقیقة، كانت ھذه وجھة نظر الرئیس الإسرائیلي الراحل شیمون بیریس عندما انطلقت عملیة السلام بعد اتفاقیة أوسلو، وعلى ذلك الأساس، نظمت اجتماعات متتالیة في العدید من العواصم العربیة منھا عمان والقاھرة ومراكش، واعتبرت في حینھ تلك المؤتمرات ھي الحصیلة الأولى لعملیة السلام لأنھا ستمھد وتمزج بین فوائض المال العربي، والتكنولوجیا والعقل الإسرائیلي، ولم یكن یقال ھذا الكلام صراحة، لكن مضمون الشراكة الحقیقي كان یقوم على عنصر رأس المال الخلیجي، فائض العمالة عند العدید من الدول العربیة، والتطور التكنولوجي وامكانیة الوصول الى الأسواق الأمیركیة والأوروبیة والذي كانت ستوفره إسرائیل. لا نعتقد أن مؤتمر البحرین سیخرج عن ھذه الصیغة المجتزأة، وكان على الدوام الموقف الأردني أنھ وفي ظل غیاب حلول سیاسیة بعیدة المدى، فإن استعادة الأمل والثقة بالمستقبل لن تتحقق، فالحل الذي لا یضمن الإطار السیاسي یبقى ناقصا، ومسألة تحسین الدخول ومستویات المعیشة لن تفضي إلى سیادة الاستقرار، والتجربة على مدى العقدین الماضیین أثبتت ذلك، بل
بالعكس، فإن القفز عن الصیغ السیاسیة زعزع الإیمان بجدبة كافة الأطراف التي فاوضت كثیرا، وأدت الحروب العدوانیة التي شنتھا إسرائیل في أكثر من مناسبة إلى تدمیر مرافق البنیة التحتیة وسبل العیش في العدید من المناطق الفلسطینیة، وكان على الدوام المسبب الحقیقي لتلك الحروب ھو الاحتلال الإسرائیلي وغیاب الأفق السیاسي والحدیث الملتبس عن صیغ غیر واضحة لإنھاء صراع عمیق. إن التركیز على مسار دون الآخر یعني تكرار تجربة الماضي، والمشاریع القدیمة التي كان من المفترض أن تشكل جسرا للمستقبل كانت تتعلق بالبنیة التحتیة، والسیاحة والبیئة والطاقة كبدیل لإنھاء الاحتلال. ولن یتغیر شيء في الصیغ الجدیدة المقترحة، فھذه قطاعات حیویة وبدونھا من الصعب السیر إلى الأمام، ولكن ما ھو الشكل السیاسي والترتیبات الإقلیمیة التي سترافق ذلك، في ظل التغیرات السیاسیة الكبیرة التي یشھدھا العالم، وصعود النزعات الشعبویة القائمة على تھدید الھویة، یطل علینا من یتبنى أفكارا حتى في بلده یعرف أنھا غیر صالحة، وھذه مفارقة لا تبشر بخیر، فإذا لم یتم تناول الأولویات بالشكل الصحیح وفي مقدمتھا إنھاء الاحتلال، ومخاطبة مخاوف وطموحات المعنیین بالتوصل إلى صیغة للحل النھائي، فإن طرح أفكار بصیغ جدیدة، لا یعني أنھا كذلك، فالملف السیاسي في الصراع العربي الإسرائیلي ھو الأساس، وصیغة الحل تبدأ من حقیقة أن ھناك احتلالا لا بد من زوالھ.
الغد - لاثنين 28-5-2019