مستقبل الأردن

تم نشره الثلاثاء 28 أيّار / مايو 2019 12:45 صباحاً
مستقبل الأردن
جميل النمري

جرى الاحتفال بذكرى الاستقلال الـ 73 أمس وبعد عامین سنحتفل بمرور مائة عام على تأسیس الدولة الأردنیة. في ذلك الحین عشیة إعلان الإمارة العام 1921 أو حتى إعلان الاستقلال العام 1947 ربما ما كنا لنسمع رأیا واحدا یثق أن الكیان الولید سیدوم طویلا، وكانت القناعة سائدة أن تقسیمات سایكس بیكو لا تمثل السكان بل مرتبطة بوجود المستعمرین وتنتھي برحیلھم، بل إن مؤسس إمارة شرق الأردن نفسھ عبد الأول بن الحسین لم یكن یرى في سلطة الإمارة سوى نقطة ارتكاز مؤقتة لتحقیق الحلم العظیم بدولة كبرى للمشرق العربي. كانت الأوضاع في المنطقة متحركة وقلقة وحبلى بالتطورات لكن الكیانات الناشئة ترسخت وأثبتت أنھا تستند لأساس موضوعي بدلیل ازدھار الوطنیات في حواضر المنطقة رغم الخطاب العروبي السائد ورغم أن سكان المناطق الحدودیة المختلطة وخصوصا البدویة لم تر في الحدود إلا حواجز مصطنعة تعیق تنقلھا الطبیعي في بادیتھا. فلسطین وحدھا حرمت من دولة وطنیة بفعل الاحتلال الصھیوني لكن ذلك ساھم بقوة في بلورة ھویة وطنیة فلسطینیة توارثتھا الأجیال في الوطن والشتات ورغم أن نكبة الـ 48 ّ أطلقت مدا قومیا ھائلا لكن لم یتفوق أبدا على ّ الكیانات الوطنیة والأمر نفسھ بالنسبة للمد الإسلامي اللاحق فالوطنیة والمواطنة ھي أساس الدول الحدیثة مھما تلون النظام الساسي فیھا بصبغات أیدیولوجیة وسیاسیة. كل القلاقل الداخلیة والحروب البینیة وتغییر الأنظمة السیاسیة لم یغیر إنشا واحدا على الحدود أو ّ في حقیقة الكیانات الوطنیة الناشئة رغم بعض الحوادث الخاصة مثل انقسام السودان بالتراضي او وحدة الیمنین بالتوافق أو ضم جنوب الصحراء المغربیة بقوة الأمر الواقع أو إعادة ترسیم بعض الحدود وفق مصالح واحتیاجات الأطراف. لكن تغییر الحدود بالقوة قاد مثلا إلى حرب عشر سنوات مدمرة بین العراق وإیران انتھت بالعودة إلى نفس الحدود القدیمة. حتى الطموح ّ الكردستاني لدولة مستقلة ظل یتكسر على صخرة الواقع وآخر استفتاء على الاستقلال في كردستان العراق قوبل برفض إقلیمي ودولي كاسح وخسر الأكراد كثیرا من المكتسبا

”الاستقلالیة“ السابقة. منذ الاحتلال الأمیركي للعراق ثم مع الربیع العربي شھدنا تسریبات لخرائط وسیناریوھات إعادة تقسیم المنطقة ورسم الحدود واختفاء ونشوء دول ترسم على أساس دیني وطائفي وجیوسیاسي لكنھا جمیعا محض خیالات، والحال حتى بالنسبة للدول التي شھدت اضطرابات خطیرة وحروبا أھلیة لا أحد یجروء على طرح التلاعب بحدود الكیان الوطني القائم ناھیك عن وجوده نفسھ وینطبق ھذا على العراق وسوریة وأقصى ما یطرح یتعلق بطبیعة النظام السیاسي وفكرة الفدرالیة لإرضاء المكونات المختلفة. ّ بالنسبة للاردن فإن التھدید الجدي یأتي من الغرب من الاحتلال والتنكر لحق الفلسطینیین في دولة مستقلة. فإذا لم یتحقق الوطن البدیل سلما قد یظھر في إسرائیل من یقترحھ حربا، ربما بإحداث قلاقل داخلیة تبرر تدخلا عسكریا إسرائیلیا ینتھي بتھجیر أعداد ضخمة من الفلسطینیین. لكن سیناریو الوطن البدیل السلمي أو الحربي یمكن إفشالھ حتما إذا تصرف الجانبان الأردني والفلسطیني بثقة وحكمة وذكاء وتنسیق وثیق لإبقاء الأزمة محاصرة في الحضن الإسرائیلي حیث یتأكد أن منع قیام دولة فلسطینیة مستقلة یفتح فقط على الدولة المشتركة على أرض فلسطین وھو ما یرعب الصھاینة أكثر من الدولة الفلسطینیة المستقلة. لقد عایش الأردن القضیة الفلسطینیة والقلاقل المحیطة عبر القرن العشرین كلھ ویمكن الاعتماد على ذكاء غریزة البقاء وحكمة القیادة واعتدال المزاج العام للسیر بالسیاسة الصحیحة لأن الحفاظ على الأردن واستقراره وأمنھ ھو قضیة مصیر وبقاء، ویحتاج الأردنیون فقط لتطویر قدرتھم على إدارة شؤون الحكم والتنمیة بطریقة أفضل أي بمزید من الدیمقراطیة ومزید من المسؤولیة والكفاءة.

الغد - الاثنين 28-5-2019



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات