وسام الاستقلال والشيخ الخضري
التكريم الملكي بمنح الأوسمة في عيد الاستقلال بات تقليداً سنوياً منتظراً، وربما يكون التكريم متعدد الوجوه، ومتعدد الغايات، فهو يخضع لمسطرة دقيقة، ولعله يهدف لكسر نمطية التكريم مع الاعتراف باصحاب الجهود الإنسانية والوطنية، والتكريم الأخير في سياق المسار الذي اختطّه القائمون على الحفل منذ سنوات كان جميلاً، فقد كُرمت مؤسسات وافراد وجماعات، وبات اليوم لدينا سجل للرواد وأهل الخير والمبادرين واصحاب الخبرة من الذين حظوا بأوسمة الاستقلال.
الشيخ أحمد مصطفى الخضري كان أحد مكرمي حفل الاستقلال 73، وما أن ذكر اسمه حتى انتظر الناس صعوده للمنصة، فكانت الدهشة بعمر الرجل وسنه، وهيبته التي لاقت من الملك كل تواضع واحترام فسعى الملك لعضده كي يصل إلى المنصه، فكان الموقف تعبيراً جلياً عن احترام الملك للعلماء، فمن هو الشيخ الخضري؟.
العارف بالله الشيح الخضري أزهري التعليم وحنفي المذهب وشاذلي الطريقة، وهو حفيد العلامة الدمشقي الكبير الشيخ محمد بهجت البيطار رضي الله عنه من جهة أمه، ويعتبر من أقطاب الطريقة الشاذلية الهاشمية في الأردن.
ولد الشيخ الخضري العام 1930 م، وتتلمذ في صغره على علّامة الشام في عصره الشيخ المرحوم حسن حبنكة والعلامة الحنفي العارف بالله محمد سعيد البُرهاني وعلى غيرهم من علماء دمشق ثم ارتحل إلى الأردن واجتمع بشيخه العارف بالله تعالى الشيخ محمد سعيد الكردي الشاذلي.
أنهى الخضري دراسته الأكاديمية في جامعة الأزهر الشريف وقد اجتمع في دمشق بالمرشد الكبير محمد بن الهاشمي رضي الله عنه وهو شابٌّ صغير وحضر عدة مجالس له، ثم إنه سلك طريق التصوف على شيخه سعيد البرهاني وأتمّ سلوكه على شيخه سعيد الكردي بعد أن رحل الى الأردن في منتصف القرن الماضي وأقام في العاصمة عمان اماما وخطيبا ومدرسا ومجيزا في العلوم الشرعية والعربية.
تفيد صفحات محبي ومريدي الشيخ الخضري عبر الفضاء الالكتروني بأنه تميز عن باقي أقرانه بآداب العلماء، ومنها التواضع والأدب وسعة الصدر واعتزال الدنيا والنفس المبارك على الطلبة، شهد له كثيرون بسمات طيبة ومنهم شيخه في السلوك سعيد الكردي قائلاً: أدباء الطريق ثلاث، وذكره منهم ، وقال عنه: من أراد أن يرى ميتاً في جسم حي فلينظر للشيخ احمد الخضري، دلالة على الأدب وموت النفس وحياتها بالله كما شهد له الشيخ عبد الرحمن الشاغوري الدمشقي بالأدب والخصوصية وقال عنه في مجلس من المجالس بعد أن أثنى عليه :»لا تخافوا عليه إذا مدحناه لأنّو ما عندو نفس» وكان يطلب الدعاء منه.
منذ عقود والشيخ الخضري يعقد دروس العلم في مجلسه العلمي في الجامع الحسني العمري قديما، وما زال حفظه الله محافظاً على ما اعتاده من مجالس العلم والتدريس في المسجد الحسيني في عمان مُواظباً على حضور مجالس الذكر برغم تقدّم سنه ونحول جسده.
هذا الرجل الذي تم تكريمه، هو قصة خاصة، ومبدع في تعليم الناس فضائل الدين والخلق، وتكريم مثل هكذا شخصية هو رسالة للجميع بوجوب العمل بجد والتفاني والإخلاص.
الدستور -