حديث الذات
في ظل التراكم الهائل لمشاكلنا المستعصية التي أصبحت في مرحلة اليأس، أصبحت الحكومات تتعامل مع الأوضاع بمرحلة وصفة العلاج (التلطيفي) الذي ينبع من فلسفة العجز على التغير واستئصال المرض، مما يجعل ثيرا من أصحاب المسؤولية منهكين في تحصيل أقساط الدين المستحقة مضافاً اليها الفوائد المتراكمة، من أجل منع التدهور وامتلاك القدرة الانية على دفع الرواتب المستحقة شهراً بشهر، ومن هنا تكاد تنحصر الخيارات في امتلاك القدرة على تحصيل دين جديد، وبذل جهود مضاعفة من أجل الحصول على جدولة الديون السابقة.
تحصيل الأقساط والفوائد المستحقة يؤدي إلى استعمال خطوات محمومة في البحث عن زيادة الضرائب، واستحداث ضرائب جديدة.
لذلك هناك رغبة ملحة في زيادة عدد المدخنين في المجتمع من أجل تحصيل رقم إضافي جديد من الضرائب والأرباح وهذا يعني التشجيع على التدخين وتصنيعه وزيادة توزيعه، من أجل زيادة حصيلة الضرائب، وزيادة استهلاك الوقود الاحفوري من المشتقات النفطية لأنها تمثل أحد موارد الخزينة المهمة وهذا يعني بالتأكيد وقف التوسع في استعمال السيارات الكهربائية، ووقف التوسع في الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة لأن من شأن ذلك تقليل الحصيلة الضريبة.
نحن نعيش وطأة التسيير اليومي للحياة، والتعامل قصير الأمد، وفقدان النظرة الاستراتيجية في التعامل مع الحلول، وفقدان الرؤية طويلة الأمد في المعالجة الجذرية لأصل البلاء المستحكم فينا منذ عقود، مع استفحال مستوى الشره في الطبقة الطفيلية التي استأثرت في موارد القطاع العام للحصول على الأرباح المستعجلة دون نظر إلى اتساع قاعدة الفقر والبطالة التي تمثل قنبلة موقوتة.
نحن بحاجة إلى لحظة توقف ومحطة اجبارية لممارسة الحديث مع الذات، فعلى صعيد الشعوب تحتاج إلى العودة الاجبارية للاعتماد على النفس، والشروع في انشاء الأطر الشعبية المنظمة التي تجعلنا قادرين على تشخيص أمراضنا، من أجل الوصول إلى مقاربات مشتركة في الحلول والمعالجات ، ويجب التخلي وبشكل قاطع عن الصراخ والعويل والشكوى، كما ينبغي التخلي عن سلوكات التنفيس عبر وسائل التعبير عن الغضب الطفولي المراهق، وضرورة التحول نحو التفكير الهادئ والعمل المنظم المنتج المصحوب بالسير المتدرج نحو الأهداف الواضحة، ويقع العبء في ذلك على الشباب المثقفين وأصحاب الرأي في مجالات العمل والمعرفة.
الدستور - الخميس 30 أيار / مايو 2019.