انعكاس الانتخابات الأمريكية والاسرائيلية على مصير صفقة القرن
اعلن الرئيس الامريكي ترامب رسميا أنه سيطلق حملته الانتخابية من فلوريدا في الثامن عشر من حزيران يوليو الجاري ، وبدء الحملة الانتخابية الرئاسية يعني أنه لا أجندة تعلو على هذا الاستحقاق ، لا ايران ولا صفقة القرن ولا حتى الصين إلا في ما يخدم هذه الحملة من توظيف شريطة أن لا تؤثر علي وضعه في بورصة حصاد الاصوات .
عندما حشد ترامب بارجاته الحربية وقاذفاته الاستراتيجية في المنطقة اغتر كثيرون في أنه سيقوم بمهاجمة ايران وتقليم اظافرها ، ولكن ، وبينما كان وزير خارجيته بومبيو يكرر الشروط الأثني عشر ، ومستشاره بولتون يبرق ويرعد محذرا ومتوعدا ، كان ترامب ينسف هذه الشروط وهذا الوعيد ويتحدث عن الملف النووي فقط ، بل ويؤكد في مؤتمر صحفي مع رئيس وزراء اليابان بأنه لا يسعى لتغيير النظام وبأن ايران بلد عظيم يمتلك امكانيات هائلة وبانه يتطلع الى ان يستفيد الايرانيون من هذه الامكانيات ، في خطاب اقل ما يمكن ان يقال فيه بأنه خطاب انهزامي بامتياز ، مما شجع الملالي واعوانهم من قادة الميليشيات في لبنان واليمن وغيرهما في التمادي باطلاق تهديدات واظهار عنتريات لم يكونوا قادرين على اظهارها قبل عدة ايام .
إنها الانتخابات الأمريكية ولا شيء غيرها !.
وفي ما يتعلق بصفقة القرن ، فقد بدا واضحا أن رياح اسرائيل لم تجر بما اشتهته سفن كوشنر الذي كان يتحضر لاعلانها بعد رمضان ، غير أن نتنياهو فشل في تشكيل الحكومة لتجيء الانتخابات الاسرائيلية الجديدة وتضرب هذا الموعد ، وليس هذا فقط بل إنها ضربت الصفقة كلها لأسباب متعددة ، منها : أن إسرائيل ليست جاهزة الآن ، فهناك انتخابات كنيست في السابع عشر من ايلول سبتمبر القادم ، وبغض النظر عن الفائز حينذاك ، فإنه لن تشكل الحكومة الاسرائيلية قبل تشرين ثاني نوفمبر ، حيث لن يكون قد تبقى من هذه السنة سوى شهر كانون أول ، لتحتدم بعدها معارك الانتخابات التمهيدية الامريكية الرئاسية وعلى مدار ستة شهور ، ومن ثم تشتعل المنافسة تحضيرا للاستحقاق الاكبر وهو انتخاب الرئيس يوم الثلاثاء 3 نوفمبر تشرين ثاني من عام 2020 حيث سينصب الفائز في يناير كانون ثاني من عام 2021 ، وهي رحلة ستكون شاقة ومضنية ولن يتمكن ترامب ولا صهره من اختراقها لأسباب مختلفة ايضا ، ليس أولها رفض العالم الاسلامي للصفقة كما جاء في قمة مكة ، ورفض الفلسطينيين لها ، والأهم ، اسرائيليا ، استحالة تنفيذها لوجود مليون مستوطن اسرائيلي في الضفة أعطيت لهم الوعود بعدم ترحيلهم ، بل وبضمهم لاسرائيل ، مما يعني عبثية الحديث اصلا لا عن دولتين ولا عن حكم ذاتي محدود ، يضاف الى ذلك مشكلة غزة التي لن تشملها الصفقة أصلا ، ناهيك عن قضية القضايا وهي القدس التي ينظر اليها العرب والمسلمون كقضية عقدية لا يسمح للاقتراب من خطوطها أبدا مضافا اليها الجولان .
وللتوضيح أكثر ، دعونا نقرأ المستقبل اعتمادا على الحاضر ، فإذا افترضنا جدلا أن نتيناهو سيفوز ، وبانه سيشكل الحكومة ، وبأن ترامب سيفوز بولاية ثانية ، فكم من الوقت يتطلب التحضير لاعادة احياء صفقة يبدو أنها ماتت ولا سبيل لبث الروح فيها بعد كل هذا التقادم والمواقف الدولية ضدها والازمات التي تداهم العالم والركود الاقتصادي المنتظر جراء الحرب الاقتصادية بين واشنطن و بيجين وتطوراتها الخطيرة التي ربما ستكون مفاجئة ، وما ينتظر العالم بأسره خلال الأزمة المالية القادمة والتي ستكون أزمة عام 2008 أمامها مجرد مزحة ، وفق كثير من القراءات ، لكل ذلك سيبدو المشهد معتما تماما وشائكا وضبابيا وسستصبح كل التحليلات والقراءات مجرد رجم بالغيب ليس إلا .
وأيا كان الامر ، فإن صفقة تلغي حق شعب تعداده 12 مليونا في العالم يبدو ضربا من الغباء والغرور الأغبى ، فهذا الشعب الفلسطيني العظيم الذي يقاتل منذ قرن كامل ، لن يعدم وسيلة لكنس كل هذه المشاريع سواء عاد ترامب رئيسا او ذهب نتنياهو الى السجن كما هو متوقع إذا خذلته الانتخابات.
نعم ، لقد انتهى كابوس صفقة القرن ، وإلى الأبد !. .
د.فطين البداد
جى بي سي نيوز - الأحد 2-6-2019