الهميوباثي و”رِجل الحمامة”!
كل شيء في تطور، وھذه الأیام ثمة بدائل ونسخ جدیدة تظھر.. نسخ من كل شيء! لم یعد شيء ینجو من التقلید، ومن اختراع بدیل لھ، أو محاولات تطویره. لو حملت أي قطعة في بیتك، حتى لو كان طفلك الصغیر، وذھبت بھا إلى الشركات الصینیة لصنعوا لك مثلھا! ویبدو الطب كأحد أھم الحقول التي تتواصل فیھا الاكتشافات والبدائل والصیغ الجدیدة، حتى أن ُ عبارة (الطب التقلیدي) لم یعد المقصود بھا الآن ”الطب الشعبي“ كما كان یفھم سابقاً، وما لھ ّ علاقة بالوصفات والأعشاب والعطارین، بل إن (الطب التقلیدي) الآن ھو طب العیادات وأطباء الاختصاص وغرف التخدیر في المستشفیات! ّ والطب الحدیث ھو طب جدید، یستفید من تقنیات العصر، وأسئلتھ، وإجاباتھ، فمثلما مرت فكرة العلاج بمراحل طویلة من التطور منذ استخدام حني الجذع والركوع المتواصل كعلاج للمغص مروراً بمضغ العشبة الجافة وصولاً الى غلیھا، وحتى اختراع حبة (الباسكوبان) السحریة، یجري عدد من العلماء تجارب الآن لرصد تأثیر العتمة والضوء على (المغص)! فلا غرابة بعد ذلك أن یتوصلوا لنتیجة أن ضغطك على مفتاح الضوء قد ینھي ساعات من آلام البطن! أما الطب المعروف بطب (الھمیوباثي) والمنتشر حالیا فھو یعتمد على فكرة في غایة الذكاء؛ وھي أنھ لا وجود لمرض بل ھناك مریض. أي أن كل حالة من الألم لھا علاجھا، فلا علاج ینفع لكل مریض حتى ولو تشابھ المرض! وھذا الطب الذي بدأت مراكزه تنتشر في العالم العربي، لیس جدیدا تماما في أوروبا؛ حیث إن 30 % ّ من الفرنسیین یلجؤون لھ، وكل جامعات فرنسا والھند والباكستان تدرسھ لطلابھا، فیما 45 % ّ من أطباء بریطانیا یحولون مرضاھم الى عیادات (الھمیوباثي)، وحسب إحصاءات ھیئة الغذاء والدواء الأمیركیة فإن مبیعات أدویة ھذا الطب قد زادت بنسبة (ألف بالمائة) في السنوات
الأخیرة! و(الھمیوباثي) یقوم على فكرة تلقیح جسم المریض بعینة من المرض أو سبب المرض الذي أصیب بھ، ولكن بنسبة مخففة جدا، وعلى طریقة العرب (داوني بالتي كانت ھي الداء)! كما ینتشر الآن العلاج بالأوزون، واستخدام حقن الجسم بھذه المادة التي ما تزال غریبة على أسماعنا، لتنظیفھ وتنقیتھ، أو غسلھ جیداً من الداخل، وإكسابھ حصانة ضد المرض! ھذا یحدث طبعاً بعد أن قطعنا أشواطاً طویلة في تلقي (نحن لا نفعل بصراحة سوى التلقي) أفكار أخرى عن العلاج بالیوغا، والعلاج بأنواع الحمیة المختلفة، والعلاج بالمكملات الغذائیة، وإلى آخر ذلك من الأفكار الذكیة التي توظف العلم وترھنھ لصالح الاجتھاد الطبي! ّ فیما على الجانب الآخر من العالم، یجلس دجال في بیت سیئ التھویة، یستقبل رجلاً یشكو ارتفاع الكولسترول، أو امرأة تأخر حملھا، أو تأخر زواجھا، أو حتى تأخر راتبھا فیعالجھم كلھم ّ بلعاب عصفور عمره شھران، مع بعض الكمون، ورجل بالطریقة ذاتھا: أن ترشق ماء مخلوطاً ّ الحمامة، على عتبة الباب الذي ستمر علیھ حماتھا في ذلك النھار لمدة ثلاثة أیام وثلث.. الخ!
الغد - الجمعة 1-6-2019